الثورة – هفاف ميهوب:
من المعروف قيام الشاعر والأديب الألماني “غوته” خلال القرن الثامن عشر، وفي الوقت الذي كانت فيه الثورات تعمّ أنحاء أوروبا، بإطلاق ثورته الخاصة، القائمة على فلسفته الروحية، والمطالبة بالحرية الفكرية.. الحرية التي أراد منها وبالإضافة إلى بناء عالمٍ مثالي يقود الإنسان إلى حياة لا فوضى فيها ولا اقتتال أو عنف، أن يعمّ السلام والمحبة والطيبة والنبل بين البشر، وكذلك قيم التبادل والانفتاح الثقافي والحضاري أيضاً، تحرير عقولهم بالحكمة والعمل والمعرفة، دون أن يلتفتوا لمن يحاربونهم، وإنما وكما خاطبهم:
“كلّ ما يحرّر العقل دون أن يمنحنا السيطرة على أنفسنا مؤذٍ.. خطّط لحياتك، ولكن حاول الموازنة بين الفكر والعمل، فلأن تعرف حرفة وتمارسها، تزداد ثقافتك أكثر مائة مرة من نصف المعرفة، فما من بركة تعادل بركات العمل، وفوق كل شيء كن “كلاً” أو انضم إلى الكلّ، فلا يستطيع الفرد أن يفرح ويسعد، إلا إذا امتلك شجاعة الشعور بنفسه في الكل”.
لم يكن قرار “غوته” بإطلاق هذه الثورة، وليد اللحظة التي أطلقها فيها. ذلك أن شاعر وفيلسوف ومسرحي ومثقف موسوعي مثله، كان قد تمرّس على معرفة كلّ ما جعل منه، أديباً ومفكراً عالمياً يسعى لبناء الإنسان بالعلم والفنّ والحوار والأخلاق، لا بالأحقاد والأنانية والحروب التي رفضها، مثلما رفض التعليق عليها أو الإشادة بها، مكتفياً بالإعلان عن كونه رجلاً ينتمي إلى العالم كلّه، وبأن لاحدود إلا ويتجاوزها، ولا فوضى إلا ويهزمها، ولا حرب إلى ويشيح عنها ليلوذ في سلامه الداخلي، الذي سعى لنشره عبر أعماله الداعية في أغلبها، إلى التسامح والتسلّح بالمعرفة والعمق الإنساني.
كل ذلك كان سبباً في وصفه بالعبقري، وهي صفة استحقّها بعد أن وصفها:
“خير عبقريةٍ هي تلك التي تمتصّ كلّ شيء، وتستوعب كلّ شيء، فبالعمل الخلاّق خير المجتمع الإنساني، ومعنى الحياة النبيل، بل وينابيع التقدم والحضارة والرقي..”.