لاشك في أن الحرب الإرهابية التي فُرضت على سورية والتي أوشكت على الدخول في سنتها الثانية عشرة كانت قاسية على السوريين جميعاً، وقد أدمت كل بيت وأسرة على امتداد جغرافيا الوطن، وكان رهان الدول الغربية فيها منذ البداية على معادلة “الشعب في مواجهة الدولة” وسخّرت لهذا الغرض إمبراطوريات الإعلام الغربية ومعها أغلب الصحافة الناطقة بالعربية.
من يستطيع أن يحصي عدد القنوات التلفزيونية التي نشأت قبيل ومع بدء الأحداث في سورية تبث من بعض دول الجوار على مدار 24 ساعة تحريضاً على الدولة السورية؟ وكم عدد المواقع الالكترونية التي تكاثرت بالانشطار كالبكتيريا تحت أسماء مزيفة؟ وكم عدد التنظيمات الإرهابية بأسماء تحمل في طياتها أبعاداً طائفية لأهداف معلومة، ناهيك بالتنظيمات والمجالس التي صنّعتها العواصم الغربية ومنحتها صفات تمثيل حصريّة للشعب السوري وهي لا تمثل حارة صغيرة على أكثر تقدير؟
هل تذكرون حجم ساعات البث المباشر التي خصصتها القنوات المعادية لتكريس معادلة “الشعب في مواجهة الدولة”؟ ويجب أن نعترف أن المخطط الذي وضعته الدول المنخرطة في الحرب على سورية كان ضخماً، دقيقاً وممولاً بسخاء، فسورية يجب أن تسقط، إذ لم يعد هناك من يقف في وجه مشروع الشرق الأوسط الكبير سوى دمشق، ويجب أن تسقط من الداخل عبر الإرهاب وعبر إثارة الناس ضد دولتهم.
لكن المعادلة سقطت بذكاء من الدولة ووعي من نسبة كبيرة من الشعب، ولأن الدولة أدركت خطورة المخطط كانت اللقاءات الشعبية مع القيادة على أعلى المستويات، فالخطر الداهم يتطلب من الجميع العمل لإفشال “المعادلة” التي نجحت في بعض الدول، وقد برعت الدولة بمؤسساتها الوطنية وعلى رأسها مؤسسة الجيش العربي السوري في إفشالها، فمنذ البداية رأينا جيشاً منتمياً للوطن ملتزماً بمهامه ومسؤولياته الوطنية، يد على الزناد تطارد الإرهاب ويد ممدودة للمصالحة والمسامحة.
اليوم وبعد أن استطاعت الدولة السورية بجيشها وشعبها وقيادتها دحر الإرهابيين ورعاتهم من مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، وبعد إصدار مراسيم عدة بمنح عفو عام عن بعض الجرائم المرتكبة في سياق الحرب الإرهابية توجت بمصالحات وتسويات في مناطق واسعة في محافظات درعا ودير الزور والرقة وحلب وريف دمشق، تؤكد لكل من ارتكب مخالفة أو جرماً ضمن ظروف الحرب أن الدولة تسامح من أخطأ وأن الجميع في مواجهة العدوان الإرهابي والعدوان الخارجي الذي يستثمر في خلافاتنا وفي جراحنا وفي ضعف الوطن.
العالم يراقب اليوم سورية والشعب السوري، بعضه يظهر تعاطفاً ودعماً لتجاوز المحنة وبعضه الآخر يمارس أبشع أنواع الإرهاب السياسي والاقتصادي ويرفض التسليم بانتصار سورية.. يظن أنه يستطيع بحربه التجويعية التي يمارسها ضد الشعب السوري وتشديد مفاعيل الحصار، إعادة إنتاج معادلة “الشعب في مواجهة الدولة” المقصرّة في تأمين احتياجاته ولقمة عيشه.
لكن صور المصالحات والتسويات التي تخرج من سورية إلى العالم تؤكد من جديد أن هذا الشعب الذي قدم التضحيات مع جيشه لم ولن تضلله إمبراطوريات الإعلام الغربية، ولا يمكن أن تحرف بوصلته السياسات العدوانية والحصار رغم كل المشقة وكل المصاعب المعيشية، وتؤكد أن الجدران التي حاولت الدول الغربية بناءها بين بعض المكونات السورية في بعض المناطق ودولتهم لم ولن تكتب لها الحياة.
ومشاهد التسويات تقلق العواصم التي مازالت تصر على إعاقة استعادة سورية عافيتها، فتحاول من جديد عرقلتها بالإرهاب العسكري والاقتصادي والحرب الإعلامية، لرفع منسوب الآلام والأوجاع التي تعصف بالسوريين وإضعاف الدولة التي حافظت على بنيانها ودورها كحاضن وحامٍ للشعب الذي أرادوه عدواً لها.
لكن رد السوريين أقوى من أن تخفيه حملاتهم التضليلية وأسطع من أن تحجبه غيوم سياساتهم العدوانية، فمع كل سوري يعود لحضن الدولة بإيمانه أنها الحامي له والضامن لمستقبل أبنائه، تنهار محاولات إعادة إنتاج معادلة “الشعب في مواجهة الدولة” وتترسخ في مقابلها معادلة الشعب والدولة معاً في مواجهة الإرهاب والعدوان.
إضاءات- عبد الرحيم أحمد