الثورة – هفاف ميهوب:
يقول الفيلسوف الألماني “شوبنهاور”: “العالم هو ما أتصوّره. هذه حقيقة صالحة بالإحالة إلى كلّ وجود حيّ وعارف، رغم أن الإنسان وحده يستطيع استحضارها في الوعي المجرّد والتفكّري.. إن كان يفعل ذلك حقاً، تكون البصيرة الفلسفية قد أشرقت لديه، عندها سيغدو جليّاً وأكيداً عنده، أنه لايعرف الشمس والأرض، إنما فقط العين من برى الشمس، واليد من يشعر بالأرض، وأن العالم موجود حوله كتصوّر..”..
لا شك أنه التصوّر الذي يراد منه، الإشارة إلى ضرورة امتلاك الإنسان للمعرفة، وذلك عبر فهمِ ذاته، والوجود المرتبط بها.. أي إدراك العالم الفعلي، بالحسّ السليم والفطنة والموهبة التي يبتكرها العقل، عبر المفاهيم التي بإمكانها تفسير كلّ الظواهر التي تميز الإنسان، وتجعله متفرّداً بإدراكه ووعيه.
حتماً، هي فلسفة تتناول مايجعل الإنسان رائياً، أي عارفاً للعالم ولو عبر تخيّله، وحتى إن شعر بأن قبول ذلك صعباً بالنسبة إليه، فلن يكون كذلك إن سعى للبحثِ العميق وصولاً إلى الحقيقة التي يمتلكها بقوة إرادته.. الإرادة التي تعتبر قوة كامنة فيه، ومحرّكة للعالم الذي يحيط به. أي إنها وكما يراها “شوبنهاور”: “أساس وجوهر الإنسان”ّ.
ببساطة، هي دعوة من فيلسوف يريد أن يقول للكائن البشري، العالم الذي تعيش فيه، والحياة التي تحياها، مكملان لك، ولايمكن لك فهمهما إن لم تفهم ذاتك وما يحصل حولك، وما فهمك هذا سوى تصوّر للعالم المُدرك والمرتبط بعقلك، عبر المعرفة التي ترشدك بلغةٍ، هي “الفعل المُخطط والحاذق للعلم”..
إنها المعرفة المتأملة، الحكيمة، الرائية، لا تلك العمياء التي تُغلق أمام البصيرة الفكرية، فتحيل الإنسان إلى جاهل، حتى بمعرفة حقيقته..
إذاً، على الإنسان أن يتصوّر العالم “فكرة و إرادة” وصولاً إلى الحقيقة التي وجدها “شوبنهاور”: “تفعل بعمق، وتحيا طويلاً..”.