الثورة – همسة زغيب:
فن الفسيفساء من الفنون التصويرية والزخرفية القديمة التي تحتاج لدقة كبيرة لإنتاج اللوحات بشكل جميل، وتعد الفسيفساء السورية من أجمل أصناف الفسيفساء في العالم نظراً إلى التقنية العالية في تصنيعها، وغنى الموضوعات التي تجسدها وتأتي أهميتها كونها صلة وصل بين الحضارات القديمة والحاضر.
إن إحياء وتطوير هذا الفن يعد وسيلة تاريخة وفكرية مهمة لإيصال إرث ثقافي وحضاري هام على مستوى العالم يعود تاريخه إلى السومريين والبيزنطيين والرومانين والعرب الذين تفننوا في إظهار أشكاله عبر تطور الحضارات.
وفي الحديث عن ترميم الفسيفساء قال الفنان الموهوب مهند الطويل ابن مدينة شهبا في محافظة السويداء والمعروفة باسم (مدينة فيليب العربي) إن ما يؤكد هوية الإنسان وخصوصية المكان عبر رسالة هذا الفن العريق وما يحمله من قيم جمالية وحضارية.
فقد صقل الطويل موهبته الفنية منذ طفولته وأكملها بدراسته الأكاديمية للآثار والمتاحف في جامعة دمشق، وتأثر بمدينته الأثرية المشهورة بلوحات الفسيفساء وخاصة في متحفها، ثم وظفها في لوحات فنية مميزة من الفسيفساء عكست إبداعه الفني وذوقه الرفيع وبعده الثقافي بما يخدم إعادة إحياء هذا الفن، حيث وصل عدد لوحاته سبعين لوحة مختلفة الأحجام معظم موضوعاته ذات طبيعة ميثيولوجية.
وأضاف أنه اكتسب خبرته خلال مساهمته مع بعثات وطنية عديدة، فعمل في مخبر ترميم الفسيفساء بقلعة دمشق مع البعثة الفرنسية السورية المشتركة، وخضوعه خلال الفترة الماضية لدورة إدارة وحفظ الفسيفساء بإشراف مؤسسة الايكروم الدولية وحضر مؤتمر الفسيفساء العالمي في المغرب عام 2011، عدا عن مشاركته بمشروع ترميم وحفظ لوحة الفسيفساء المكتشفة في قرية المجدل إلى جانب قيامه بإجراء ترميم على لوحة النعم الثلاث في متحف شهبا، وكذلك ترميمه وحفظه اللوحات في المنازل القديمة بالمدينة.
وأوضح الطويل أن حرفة الفسيفساء تتطلب دقة ومهارة ووقت وصبر وجهد فكري وجسدي لتركيب المكعبات الصغيرة الملونة وتحويلها إلى لوحة جميلة، كما استخدم في لوحاته الزجاج والحجارة والفخار وفي بعضها استخدم الرخام.
أبدع الفنان في مجال الفسيفساء فقدم أول أعماله عام 2015 وهو عبارة عن لوحة آلهة البحر “تيثيس” التي استخدم فيها التقنية نفسها المشغولة للوحة مماثلة في متحف شهبا إضافة لأعمال أخرى لاحقة منها “وردة الليلي” و “الساعات الصغيرة” وله عدة معارض.
لقد كان هدفه المحافظة على هذا الفن الجميل وتطويره وإبقاءه حياً، وخصوصاً في هذه المحافظة التاريخية والأثرية التي تعود إلى الفترة الرومانية في عهد فيليب العربي، وذلك عبر إحداث ورشة لتصنيع لوحات الفسيفساء وتدريب العديد من الكوادر عليها انطلاقاً من ” الفن هو الوسيلة الوحيدة للخلود، وللتعبير عن الحب والرقي والإبداع”.