“هيا لنتجمل بما نملك من أشياء”.. هكذا يقول بعض الناس لأنفسهم وهم يبحثون عن أشياء للاقتناء مهما بلغت من أثمان لعلها تنعكس عليهم بمزيد من البريق الذي يجذب إعجاب الآخرين إليهم.
هكذا يبدأ الاهتمام بالمظاهر على حساب أولويات الحياة، وهو متاح الآن أكثر من أي وقت مضى نظراً لما أصبح يتوفر من بضائع، ومنتوجات، وماركات عالمية مما يشجع على مزيد من الاهتمام بكل ما يخص المظهر الخارجي، حتى يكاد التباهي يصبح مرضاً.
ولعل أهم ما يستوقف حيال هذه الظاهرة التي تهتم بالمظهر هو انفصال الواقع المجتمعي عن تلك الممارسات، كما انفصال الواقع الحقيقي لصاحبها عن مظهره، فهو مستعد لأن يبذل الغالي والرخيص مقابل تحقيق ذلك الزهو الذي يعود عليه بالسعادة، ويجعله في حالة من الغبطة وهو يرى انعكاس صورته في أعين الآخرين.
وها هي وسائل التواصل الاجتماعي، مع المصنع الذكي الذي يرمي بمنتجاته بسخاء في الأسواق، أقول ها هي هذه الوسائل آخذة بالتشجيع على فكرة تجميل الذات من الخارج من خلال التباهي بالممتلكات في استخفاف بالقيمة الذاتية، وما تملكه من مميزات ترتقي بها.. وليغدو هذا أمراً شائعاً، وكما أصبحوا يسمونه (الترند)، يتبعه بعض الناس ممن لا يملكون الرضا بواقعهم، ولا الإيمان بقدراتهم، ولا بما يتميزون به، أم أنه طلب المزيد من الرصيد الذي يضيفونه إلى ما هو لديهم.. أم السعي الواهم لتعزيز الثقة بالنفس من خلال استعراض القدرات المادية؟.
إذن فالأمر ليس تقديراً للذات، أو افتخاراً بها لتتم مكافأتها على هذا النحو مقابل ما حققته من نجاحات، وإنجازات، وإنما هو لاستقطاب أكبر قدر من اهتمام الآخر، ولفت الأنظار، وما يتبع ذلك من إحساس مزيف بالتميّز، قد يتبعه قفز مزيف أيضاً إلى طبقة اجتماعية أعلى.
إلا أنه من جهة أخرى فمن الناس مَنْ هو على النقيض من ذلك إذ لديه شغف الحصول على مقتنيات مادية مبهرة ليس لكل الأسباب السابقة وإنما كهواية تجلب له السعادة الفائقة في المحصلة، وحتى لو أطلع عليها فالغاية هي للمشاركة لا لاستعراض الأمجاد لأنه يمتلك من القناعة بذاته، وبقيمتها ما يجعله ينسجم مع نفسه فيعترف بحقيقته دون أن يجملها بالمظاهر المفتعلة، والتي قد تكون في وقت من الأوقات مجالاً للحسرات لدى الآخرين.
صحيح أن الأشياء المادية تضفي بريقاً على المرء، ونحن نتجمل بها لأجل هذا البريق، وقد يكون أخاذاً أحياناً، إلا أنها لا تستطيع أن ترفع من القيمة الإنسانية، فالمعطيات الخارجية لا يمكن لها في حال من الأحوال أن تغني عما ينبع من الذات الغنية.. وإذا ما افتقدنا التقدير لهذه الذات غدت الإضافات من الضرورات.
ظواهر اجتماعية باتت تطفو على السطح، وأصبحنا نصطدم بها بكثافة بعد شيوع المواقع الإلكترونية، وانتشار استخدام الأجهزة الذكية لتنفتح الطريق واسعة أمام ما كل ما يتعلق بالمظهر ولو كان لا يتطابق مع الجوهر.. وبعض الناس ينفقون أعمارهم في محاولات عبثية للتجميل لا لتقدير الذات بما يليق بها.
ومما يلفت الانتباه أكثر هو أن أصحاب الثروات الكبرى لا يلقون بالاً إلى صورهم الخارجية كيف تبدو للآخرين عموماً، وإنما ما يتباهون به هو من الطموح الذكي الذي يقفزون من خلاله إلى نجاح يتلوه آخر.
والحال في التقليد لا يختلف كثيراً عن حال التباهي بالمظاهر، وكثيرون هم مَنْ يندفعون في اتجاه أن يكونوا نسخاً من غيرهم، وهم ينظرون إلى الصورة من الخارج دون الوقوف على حقيقة الشخصية التي اجتهدت لتصل إلى ما وصلت إليه، وهم في الوقت ذاته يتجاهلون قدراتهم، وما قد يكون لديهم من ملكات إبداعية في مسارات مختلفة يمكنها أن تعود عليهم بالكثير، إلا أن الرغبة في أن يكون المرء على مثال غيره قد تجرفه بعيداً عن المسارات الصحيحة.
فلا للتجميل.. ولا للتقليد.. ويبقى للقيمة الذاتية من البريق ما يفوق كل ما عداه.. ولو سُلبت المظاهر من حول صاحبها لبدا على حقيقته فقير القيمة، ضئيلاً بما يكفي لمعرفة ما كانت تضفيه زينته عليه.
اضاءات ـ لينــــــا كيــــــــــلاني ـ