الثورة – رنا بدري سلوم:
يعيشُ مع الحجارة حتى اكتسبَ صمّتها وصلابتها، فابتعد عن الناس، ليتفاعل معها، ويعيش طقوسها، يخرج إلى البراري إلى الغابات وإلى الشواطئ باحثاً عنها، هي غنيمة لا يقدّرها كلّ الناس، فهم يدوسون بأقدامهم عليها، وهو يتتبّع هواه كعاشقٍ لها، يسير على قدميه من اللاذقية إلى جبل صافون ليجمعها، ويشكّل أبجديّته الحجريّة، فانصهر بها، حتى أخذ من رمال الشاطئ سريراً.
“فلا شيء يأتي من فراغ، بل من رحم الألم، ومن هنا ولدت حجارة صافون، ليست هواية “مارقة ” كما وصفها البعض، وقالوا “نزار علي بدر” يلعبُ بالحصى، إنهٌ فن جميل ورائع”، بحسب ما بيّنه النحّات نزار علي بدر للثورة بعد رفضه الظهور الإعلامي لعدة سنوات، مضيفاً: “نحتُّ بالحجارة آلاف المنحوتات، نقلتُ بأمانة أجمل اللوحات التي تشكّل المعاناة والهجرة والفقر والحبّ والأمومة والآلام الإنسانية، تشكيلاتٌ كنت أرفض بيعها فلم أضع نصب عيني جمع المال، بل كان عملي هدف إنساني ونبيل، وبعد الظروف الصعبة التي نعيشها، أصبحت تلك الحجارة سبباً في مصدر رزقي وجمع قوت يوم أسرتي، وإن كان بيعها بأبخس الأثمان، فلا أملك أي دخل آخر سوى بيع أعمالي”، وعن الشهرة والتفاعل الثقافيّ والفنيّ والتشكيليّ يشير بدر إلى أنه لايشارك في المعارض ولا ترعاه أي وزارة، وحين سألته أين تقدم أعمالك، أشار إلى أن معرضه الدائم هو على سطح “البناية” التي يسكن فيها، قائلاً: “يأتي الكثير من الأصدقاء والمحبّين والزوار للاطلاع على تجربتي الفريدة في تثبيت حجارة صافون على لوحات حجريّة كبيرة مختلفة المقاسات، وإن جميع من يعرفني يعلم إني لا أعرف الحقد، ولا الإساءة، قلبي ينبض بالحبّ لبلدي الذي لم أهجره، بل أوصلت صوت معاناته بصمت حجارتي، حتى شكلت لغتي الحجرية موقفاً أفخر به”.
هكذا هم السوريون يوصلون صوتهم حتى بالحجارة، فالنحّات نزار علي بدر شارك في برنامج للمواهب ومنها كانت انطلاقته إلى العالميّة، لوحته التي وصف بها الهجرة والنزوح والتي أثارت جدلاً واسعاً قد فتحت له أبواب اللجوء لكنه رفض أن يترك تراب وحجارة سورية، سورية التي يرسم علمها أينما وجد وقد، تكرّم عدة مرات ونال شهادات التقدير المترجمة إلى لغات عالمية، ففي نهاية المطاف وبعد أعوام الحرب استطاع أن يُسمع العالم صوت بلده المُحق ربما أكثر من آلاف المقالات التي نكتبها بالحبر، فيحقُ لنا القول إنّ حجارة صافون السوريّة قد “أسمعت من به صمَم”.