قرات هذه العبارة في رواية أعتقد أنها للكاتب المصري محمد عبد الحليم عبد الله وردت على لسان البطل الذي كررها مراراً ليبرر كيف استطاع أن يستمر في الحياة رغم الظروف التي واجهها، و يبدو أنها أعجبتني أو أنني أستنجد بها في محاولة فهم هذا العبور.. أو لعلها مقدمة لفهم حالة الإحباط والسقوط التي أعيشها مع كثيرين من أبناء جيلي ومن أبناء وطني عموماً.. هل خبأنا في البناء الذي بنينا عوامل توصله إلى هنا؟
لا بد من أن شيئاً من ذلك حصل!!
مضى على ذاك الزمان نحو سبعة وستين عاماً .. أكثر بقليل أو أقل بقليل .. لا يشبه حال أحفادي في المدارس اليوم حالي في تلك المدرسة… ذاك العام الذي جررت فيه أعوامي الستة وقصدت الصف الأول النظامي ..
كان ثمة قانون يومها ينظم دخول المدرسة وعبور مراحل الدراسة والتعليم .. لكنه لم يكن واضحاً لكل الناس بسبب أن معظمهم لم تكن المدرسة همهم الرئيسي .. وكثيرون كانوا يعبرون منها على أمل فك الحرف كما يقولون ..
كانت هناك الكتاتيب .. في بيئتنا كانوا يسمون الكتاب بالخطيب .. و كان يعلم القرآن الكريم بصورة رئيسية .. و بالتفصيل اللغوي الكلاسيكي حتى الثمالة .. يقرؤون القرآن مرة تجريداً وتجويداً وحفظاً على الغيب، ومرة هجاء دقيقاً ومرة تشكيلاً مفصلاً بعبارات بديعة.. و كان تلميذ الكتاب أو الخطيب يكتب بخط جميل وأخطاء إملائية قليلة .. ثم إنه بعد بضع سنوات يأخذه ” عمه ” و كان اللقب الذي يمنح للمعلم الخطيب .. يأخذه إلى المدرسة فتسبر معلوماته ويداوم في الصف الذي يحدده معلم المدرسة .. أما ترتيب أحواله الإدارية والقانونية في التربية أو المعارف فيتم فيما بعد وفق شروط يمكن تجاوزها ..
أنا لم أعبر إلى المدرسة من هذه البوابة .. كنت فاشلاً عند الخطيب، فدخلت المدرسة هرباً منه وفي حالة لجوء سياسي محبب .. كان معلم المدرسة الوحيد طبعاً .. يشترك مع والدي في الانتساب للحزب القومي السوري .. هكذا كنا نعرف اسمه ثم أصبح السوري القومي وفي الحالتين هنا عبارة الاجتماعي التي تميز نظرية هذا الحزب وأدبياته.. شعاراته ..
في الصف الأول أخذت على محمل الراحات.. وكنت محل الإعجاب الشديد.. ولم أكن أستصعب مدرسة أو دراسة وكل ما أريده لي استثناء وبموجب وثائق واعتبارات اللجوء السياسي .. وعندما انتقلت إلى الصف الثاني كان القوميون السوريون قد انتقلوا من حال إلى حال، يهرب فيه المرء من كل ما يوصله برفاقه وحزبه.. وقد انعكس ذلك على تألقي الوهمي .. فتبهدلت في الصف الثاني وكان التجاوز الأكبر على سني عمري الست بالضرب المؤلم يتم من الأستاذ نفسه الذي أقمت اللجوء إلى مملكته.
لا أحد من أحفادي يستطيع اليوم أن يقدر حدة العذاب الذي عشته في تلك الأيام .. رغم ما يسمعونه من شكاوى أهاليهم المؤلمة بسبب الارتفاع الجنوني في تكاليف الدراسة رغم المجانية في المدارس الحكومية.. و .. يا ستر الله بالنسبة للمدارس الخاصة ..
As.abboud@gmail.com
معاً على الطريق- أسعد عبود