الثورة – رشا سلوم:
ما الشعر وما الشعراء إذا لم يكن الفعل نضالاً من أجل الحرية والكرامة والاستقلال حين يتعرض الوطن للخطر.. فكيف إذا كان الخطر وجودياً؟
ما قيمة أي إبداع حينها إذا لم يكن من أجل الوطن والحياة… هذه حال شعراء الأرض المحتلة الذين بذلوا الدماء من أجل الوطن.
مبدعون ارتقوا إلى سلم المجد كانت الكلمة سلاحهم، ونشر الوعي عملهم، وهذا ما أرعب الكيان الصهيوني الغاصب.
الشاعر كمال ناصر الذي تمر ذكرى استشهاده هذه الأيام.
بطل الفعل والإبداع والرقي من أجل الكرامة.
– محطات في حياته..
(كمال بطرس إبراهيم يعقوب ناصر، مناضل وشاعر، ولد في مدينة غزة عام 1924، وتربى في بيرزيت شمال رام الله، والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ليحصل منها على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1945 وعمل في التدريس لفترة من الزمن.
أصدر كمال ناصر جريدة “البعث” اليومية في رام الله إثر النكبة، ثم أسس مجلة “الجيل الجديد”.
خاض كمال ناصر الانتخابات النيابية الأردنية عام 1956 عن حزب البعث العربي الاشتراكي، وأصبح نائباً في البرلمان عن قضاء رام الله.
أبعدته سلطات الاحتلال عن فلسطين بعد حرب حزيران 1967، بسبب مواقفه الوطنية والنضالية. وانتخب في عام 1969 عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وتولى رئاسة دائرة الإعلام والتوجيه القومي ومجلة فلسطين الثورة، وكان المتحدث الرسمي باسم المنظمة، ورئيس لجنة الإعلام العربي الدائمة، المنبثقة عن جامعة الدول العربية.
– إبداعه..
ترك كمال مجموعة كبيرة من الكتابات والأعمال الشعرية. وأهم آثاره النثرية افتتاحيات “فلسطين الثورة”، المجلة الرسمية الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وكان يتولى رئاسة تحريرها منذ إصدارها في حزيران 1972 حتى تاريخ استشهاده في نيسان 1973.
وتدل مذكراته التي كتبها بعد احتلال الضفة الغربية من قبل الكيان الصهيوني على صدق عميق امتازت به شخصيته، وعلى روح شاعرة نبيلة.
أبرز آثار كمال ناصر الشعرية مجموعة قصائد نشرت سنة 1959 تحت عنوان “جراح تغني”، وملحمة بعنوان “أنشودة الحق” غنى فيها للوحدة العربية، ومجموعة شعرية بعنوان “أناشيد البعث”، وديوان “أغنيات من باريس”. كما كتب ثلاث مسرحيات هي “التين” و”مصرع المتنبي” و”الصح والخطأ”.
وقد تألفت بعد استشهاده لجنة لتخليد تراثه نشرت أعماله النثرية والشعرية الكاملة سنة 1974.
وقد كان للنكبة وللنكسة أثر عميق في شخصية كمال ناصر، لدرجة يمكن القول إن روحه صيغت في غلاف التاريخ الفلسطيني المعاصر ومن أنسجة هذا التاريخ نفسه، ويعبر عن ذلك قوله في مذكراته بتاريخ 19/9/1967:
“عندما كنت أنام بعد هزيمة 1948، كنت أستيقظ من نومي مذعوراً في السنوات الأولى للنكبة من جراء كوابيس وأحلام كانت تعذبني باستمرار، وتذكرني بالمعارك المزيفة والاستسلام، والمسرحية التي مثلت على أرض فلسطين. كما كانت هذه الكوابيس تطاردني فتصور لي الذبح والقتل الجماعي والتشريد الذي حدث لبني قومي وهم يُطرَدون من بلادهم فلسطين”.
في العاشر من نيسان عام 1973، هزت العاصمة اللبنانية أكثر عمليات الاغتيال تعقيداً في تاريخ العدوان والاغتيالات الصهيونية التي طالت المفكرين والمناضلين الفلسطينيين- حتى حينه، ونفذ جهاز المخابرات الصهيوني ليلتها ما أطلق عليها لاحقاً “عملية فردان” ببيروت، راح ضحيتها ثلاثة قادة فلسطينيين هم: كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار.
– من قصائده..
لن نستريح،
والشعب دام جريح،
والقيد في المعصم،
والحقد ملء الدم،
ودربنا شاحب الأنجم، يضع بالآثم المجرم،
لن نستريح، ونحن في مأتم،
في حالك مظلم،
لن نستريح لن نستريح
إنها قصة شعب ضللوه
ورموه في متاهات السنين
فتحدى وصمد
وتعرى واتحد
ومضى يشعل ما بين الخيام
ثورة العودة في دنيا الظلام
رأى الظّلمَ يُدمي رُباه
فثارَ إلى مبتغاه
وكانَ شهيداً، وكلُّ شهيدٍ إله
تسامى، فلوّن معنى الصّلاة
وعمّق من وحيِها وابتكرْ
فسالتْ نضالاً دِماه.
