بين كل فترة وأخرى أطالع عبر صفحات التواصل الاجتماعي توجه العديد من الأصدقاء لزراعة أسطح منازلهم ببعض الخضراوات أو حتى زيادة الاهتمام لديهم بأرضهم في القرية والحرص على زراعتها بأشجار الزيتون والتفاح وغيرها لعلها توفر عليهم شراء تلك المنتجات بأسعارها الكاوية من السوق، ناهيك بذاك الشعور الجميل الذي يرافق الإنسان وهو يتناول ما زرعته يداه.
توجه يحمل الكثير من الإيجابية وما يمكن أن نطلق عليه عودة لتقدير قيمة الأرض والزراعة لدى العديد من أهالي الريف الذي هجروه منذ سنوات لظروف عملهم في المدينة وكل مواطن عانى ولا يزال من ارتفاعات جنونية لأسعار المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية حتى تلك المنتجة محلياً وصولاً لمرحلة شراء البندورة بالحبة أو ما يلبي إنجاز طبخة اليوم وهو سلوك استهلاكي لم يعتد عليه المواطن السوري.
إلا أن حال من مضى بهذا الطريق على قلتهم لم يكن معبداً بالورود كما يقال، فالصعوبات والعراقيل الكثيرة التي تواجه القطاع الزراعي والعاملين فيه بكل موسم زراعي واجهت من تشجع واستثمر أي مساحة متاحة لديه لزراعته ولو ببعض الحشائش لجهة ارتفاع تكاليف الإنتاج من بذار وأسمدة وقلة مياه وبالتالي فإن الخطوة الأولى التي خطاها البعض مهمة غير أن الاهم باقي الخطوات التي لم تتحقق وجعلتهم يعزفون تباعاً عن تكرار التجربة فكيف يمكن لشخص يعيش قرية يزود بالمياه بالشهر مرة بالكاد تكفيه لسد احتياجاته اليومية أن تبقى لديه رغبة في زراعة حديقة منزله أو الاهتمام بها؟
في التجربة السورية على مدى سنوات طويلة سابقة كانت الأرض وما تنتجه السلاح الأقوى بيد الدولة السورية وواجهت من خلاله كل الضغوطات والعقوبات الاقتصادية وكلام كبارنا يؤكد دائماً أن من يأكل مما يزرع لن يجوع ولن ينال منه أحد، وبهذه المرحلة الصعبة والقاسية جداً التي تواجه المواطن الذي بات يعجز فعلاً عن سد أبسط احتياجات مائدته ليس من اللحوم الحمراء والبيضاء والفواكه والألبان والأجبان وإنما حتى الخضار الموسمية فإن الزراعة هي الحل الأنجع.
وأعتقد أن أصحاب القرار يعرفون جيداً هذا الحل، غير أن تنفيذه هو المعضلة التي لم يعرفوا بعد طريقاً للسير بها لضيق رؤيتهم وضعف مبادراتهم ومعالجاتهم القاصرة، لذلك نرى كلاماً كثيراً عن أهمية القطاع الزراعي والدعم الكبير الموجه له في وقت تكون نتائج هذا الدعم في حدودها الدنيا ولا تذكر، وهذا ما يفاقم صعوبات القطاع والعاملين فيه ويدفع البعض لهجره رغم الحسرة التي تعتريهم.
الكنز- هناء ديب