رغم الطيف الواسع من المشروعات الواعدة التي تحدثت عنها هيئة الاستثمار في آخر تصريح لها في مختلف مجالات التصنيع والإنتاج الطبي والهندسي والتقني والطاقات البديلة والمواد الأولية اللازمة لبعض الصناعات، وهو ما يعزز الاتجاه نحو دعم الإنتاج المحلي والاستغناء عن الاستيراد ويكرس التطبيق العملي لبرنامج إحلال المستوردات، إلا أن اللافت في سياق ما تحدثت عنه الهيئة تمثل بتلك الإشارة التي أقرت به بالقول: إن ما نفتقده هو المشروعات الزراعية..
إذاً بمقابل الخطوات التي مضى بها مسار الاستثمار بعد صدور القانون الجديد رقم 18 وما تضمنه من محفزات ومواد تهيئ لمرحلة متطورة من الاستثمار، إلا أنه حتى الآن بقي الاستثمار الزراعي خارج حسابات الكثيرين من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، وهو ما يستدعي تساؤلات لعلها ليست بجديدة لكنها تستحق أن توضع مجدداً على الطاولة وايلاؤها اهتماماً أكبر للنظر في الأسباب التي أخرت وجود استثمارات زراعية حتى الآن.
فمن جهة تتوفر في بلادنا جميع مقومات النجاح لمختلف الزراعات نظراً لتنوع البيئات المناخية والترب الزراعية التي تناسب الكثير من الزراعات الاستراتيجية منها والموسمية والمحمية، إلى جانب الخبرات الكبيرة سواء لأصحاب الأراضي الزراعية أو لدى المختصين في دوائر الزراعة بشقيها الحيواني والنباتي، وفوق كل هذا فقد لحظ قانون الاستثمار الجديد ميزات إضافية واستثنائية للقطاع الزراعي بهدف تحقيق جذب أعلى لرأس المال الراغب بإقامة مشروعات تنموية زراعية مختلفة..
لكن من جهة أخرى يبدو أن ما يواجهه المزارع من صعوبات تبدأ من تأمين البذار والأسمدة والمحروقات والمياه وباقي مستلزمات الإنتاج الزراعي من آلالات وجرارات وغيرها، وصولاً إلى مرحلة تعبئة الإنتاج ونقله وتسويقه، يبدو أن كل هذا وقف حجر عثرة في استكمال نيات العديد من المستثمرين الذين تولدت لديهم الرغبة في إقامة مشروعات زراعية لكنهم وجدوا أن الخوض في تلك التفاصيل من شأنه أن يبدد الجدوى الاقتصادية لمشروعاتهم وتحويلها إلى مشروعات غير مربحة وتثقل كاهل رأس المال وقد تؤدي إلى تخفيض نسب الأرباح، ليس بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي فقط، وإنما بسبب صعوبة تأمين تلك المستلزمات والدخول في دوامات السوق السوداء ربما أو الخضوع لأهواء وأمزجة بعض محتكري الأسمدة أو الأدوية الزراعية (الحيوانية والنباتية) وكذلك مواجهة تبعات النقل والتسويق محلياً وفي الأسواق الخارجية تصديراً..
ليتضح لنا من كل هذا بأن الانطلاق نحو تحفيز الاستثمار وجذب المزيد من رؤوس الأموال لتوظيفها في مشروعات تنموية متنوعة لا يكفي أن نضع له قانوناً يقدم المزايا والحوافز والتسهيلات ومختلف أنواع الإعفاءات الضريبية والمالية وغيرها، إذ أن هناك جانباً لا بد من كشف الستار عنه والاعتراف بوجوده كحجر عثرة تتحطم على أعتابه الكثير من الآمال الطامحة بإقامة استثمارات نوعية، فمن باب أولى أن نتجه لحل تلك المشكلات وفتح مسارات آمنة للاستثمار لتعبر من خلالها المشروعات الطموحة والتي تلبي احتياجات البلاد.
السابق
التالي