٢٤ شباط الماضي بدأت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في إقليم دونباس، ولم يمر إلا وقت قصير حتى بدأ الفرز الدولي في المواقف، بدأت معه الاصطفافات تأخذ شكلاً راح يتضح يوماً بعد آخر.
الكيان المؤقت، على الرغم من محاولة رئيس حكومته نفتالي بينيت الوقوف على الحياد والمبادرة للعب دور الوسيط غير المؤهل لمثل هذا الدور، سريعاً انكشف أمره، فمع مطلع آذار – أي بعد مرور أقل من أسبوع – ذهب رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ لإعلان الوقوف إلى جانب أوكرانيا ودعماً لما سماه وحدة أراضيها، فيما كانت إشارات زيلنسكي واتصالاته المعلنة وغير المعلنة مع حكومة بينيت، تفضح الكيان، وتؤكد أنه لن يتمكن من المحافظة على ما قيل إنه حياد انطوى على رغبة القيام بوساطة بين الجانبين الروسي والأوكراني.
تصريحات روسية بمقابل أخرى إسرائيلية، بيانات مقابل بيانات، وآخر ما كشفت عنه وسائل إعلام الكيان استدعاء الخارجية الروسية سفيره بموسكو لتسجيل تحفظات واعتراض شديد على تصريحات يائير لابيد.
تصويت الكيان المؤقت ضد روسيا ودعمه تعليق عضويتها بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لم يكن القشة المرجحة التي حسمت وقوف حكومة بينيت بمواجهة موسكو، بل إن اتهامات لابيد بأن روسيا ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا كانت الدليل القاطع على اتخاذ موقف عدائي واضح، من المتوقع أن يتجاوز لاحقاً مواقف بعض الدول الغربية.
لابيد الذي لم يراجع اتهاماته لروسيا، والذي أكد بوقاحة فاضحة أن حكومته لن تتجاهل العقوبات الأميركية الغربية المفروضة، بل ستعمل على تطبيقها، تجاوز تأكيد هرتسوغ تقديم مساعدات لأوكرانيا، تلك التي يتقاسمها مع أردوغان على وجه خاص إضافة إلى ما تم بينهما من اتفاقات بمجال الطاقة مبنية على طموحات واهمة وأحلام لن تتحقق.
إلى أين ستمضي العلاقة الروسية – الإسرائيلية في ظل ما يجري من إصدار البيانات والبيانات التي وصفت بأنها غير دبلوماسية؟ هل تشهد تطورات تثبت الكيان المؤقت في موقع العداء المعلن لموسكو، وتقرب موسكو من فلسطين وقضيتها العادلة؟.
بيان الخارجية الروسية الأخير الذي تحدث عن قطاع غزة كسجن كبير يضم ٢,٥ مليون فلسطيني يعيشون تحت الحصار منذ ١٤ عاماً في جيوب منفصلة ومنقطعة عن العالم، هو خطوة متقدمة ليس فقط في الضغط على الكيان الغاصب، بل إنه نقطة مهمة ومفصلية تؤسس لتطور جديد ينسجم مع ما تحمله الأحداث الدولية من أفق لقيام نظام عالمي جديد، ذلك بما تضمن البيان الروسي من إشارة مباشرة إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كأقدم صراع لم يتم حله، يتواصل فيه الاحتلال وتستمر معه إجراءات الضم والقضم للأراضي الفلسطينية، وتتواصل معه الانتهاكات الإسرائيلية لعدد كبير من قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة.
ما لم يتضمنه البيان الروسي من إشارات أكثر قوة بإدانة الاحتلال وممارساته، ولجهة إحقاق الحقوق الفلسطينية والانحياز لها، على الأرجح ستتضمنها البيانات والمواقف الروسية اللاحقة في الأمم المتحدة، وفي إطار الرد على تخندق الكيان المؤقت في خندق الغرب المعادي لموسكو.
الكيان العالق في أوكرانيا بعنصريته المشتركة مع عصابات زيلنسكي المتطرفة، ربما يحجز بهذه الأثناء مقعده في الخسارة الكبرى، إذ بات المرشح رقم اثنان بعد الأوروبيين لدفع أثمان باهظة ولتسديد فاتورة قديمة كان الغرب وأميركا يجدولانها له ويحولان دون فرض استحقاقاتها.
معاً على الطريق- علي نصر الله