الملحق الثقافي: غسان شمة:
بعدسة كاميرا حساسة يلتقط حكمت أبو حمدان في مجموعته القصصية « مانيكان « تفاصيل حياتية « لا تخلو من رمزية قصدية، ليحولها إلى لوحات حكائية تمزج بين التصوير والوصف عبر سرديات بسيطة في غالبيتها يرصد من خلالها وقائع حياة أفراد تختلف مواقعهم وهمومهم، ممسكاً بلحظته القصصية عند حدث محدد يعبر بالقصة إلى مرادها القريب أو البعيد..
في قصة « غالب أفندي « نقبض مع الكاتب على لحظة استثنائية في حياة موظف محافظ – في تعاملاته الاجتماعية ـ ويتميز بدقته في كلّ شيء حتى ساعته لا يقدّمها ولا يؤخرها مع تغيّر الفصول، لكنه سرعان ما يسقط في « لعبة « القلب عندما تطلب منه سيدة موعداً فيضبط عقارب ساعته على الموعد معلناً عن منعطف جديد في حياته..
ريشة أبو حمدان تلتقط في قصة « جارتان « تلك العلاقة الهشة بين جارتين يطلّ اسطوح إحداهما على الأخرى لكن ثمة غيرة غير معلنة تحكم هذه العلاقة التي تتهدم مع نجاح ابنة الجارة الفقيرة لتنال المركز الأول على صفها وتكرم في حفل مدرسي وحينها « فوجئت نور واضطربت وتغيّر لونها.. نتعت يد ابنتها وانسحبت منسلة بين الصفوف والغيظ يأكلها «..
الهاجس الأساس في المجموعة، كما يبدو في كثير من قصصها،رصد حالات ذات طابع عابر وإن كان إنسانياً في ظاهره ليقدم لوحة قصصية من طبيعة الحياة ففي « سائق الحافلة « شاب عشريني يعمل سائق باص يتعلق بمدرسة خمسينية جميلة وتبدو أصغر من عمرها ويدعوها لتناول القهوة ذات مرة لكن الأمور تسير على غير ما يرغب بل يصاب بخيبة أمل حين تترك المدرسة وتأخذ إجازة بلا مرتب ليعود إلى نفسه وواقعه «.
ويأخذنا أبو حمدان إلى إحدى قصصه إلى مرارة الواقع في قصة « صديقان « ففيها نتعرف على مهندس وصديقه على مقاعد الدراسة خريج التجارة اللذين التقيا بعد غياب في أحد الأسواق وتواعدا على الزيارة التي تأخرت لكن الصدفة قادت أحدهما لمنزل الآخر المليء بالثريات الفخمة والأرائك الضخمة ونفاضات الكريستال الثمينة وغيرها ما دفع الزائر للسؤال : بكم .. بكم … وساد صمت ثقيل.
ومن الطبيعي أن يأخذ الحبّ مساحة كبيرة في المجموعة لأنه الحياة ببساطة، وفي دروبه نتعرف على أشخاص يمتزج فيهم الواقع والخيال عبر لوحات متعددة ففي القصة التي جاءت عنواناً للمجموعة « مانيكان « نتعرف على شاب وصبية يقفان على مدخل محل كبير للألبسة عوضاً عن المانيكان، ويقفان كصنمين يسترقان الهمس واللمس رغم معرفتهما أن أي خلل سيتسبب لهما بمشكلة مع صاحب المحل، لكن لحظة فارقة تأخذ بروحيهما حين تمرّ وسط السوق عراضة عرس فيغادران وهما يمسكان بأيدي بعضهما في حالة بين الواقع والحلم..
وفي « قصة على الطريق السريع « لحظات عابرة لرجل وامرأة على إشارة مرور يقفان بشكل معاكس ما يفسح المجال لحوار فيه القليل من الكلام والكثير من المسكوت عنه لكن الإشارة الحمراء أطلقت صافرة الفراق دون أن يتمكن أحدهما من معرفة رقم هاتف الآخر..
قصص حكمت أبو حمدان تلتقط اللحظات العابرة وتنقلها بلوحات تعبيرية كرسم شبه زائل وواقعية يمتزج فيها رسم بعض التفاصيل المعبرة بالخيال دون إرهاق للمعنى الغامر لأبطال قصصه في احظة انفتاح العدسة ومن ثم إغلاقها.
التاريخ: الثلاثاء19-4-2022
رقم العدد :1092