الثورة -رشا سلوم:
تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل الشاعر العربي السوري الكبير نزار قباني إذ رحل نهاية شهر نيسان عام ١٩٩٨م صاحب قالت لي السمراء أول مجموعة شعرية تخترق التابو في النصف الأول من القرن العشرين وتكسر قيوداً كانت تحيط بلغة الشاعر وفضائه التخيلي..
ومنذ ذاك وحتى ظل نزار قباني شاعر الحرائق يضرم النار في كل هشيم لغوي واجتماعي حتى يعود من جديد أخضر ندياً.
وهو صاحب فكرة أو مقولة أن الكتابة فعل انقلابي.. انقلاب على كل تخلف وجهل هي فعل حياة ونبض الناس..
ما إن يذكر نزار قباني حتى تكون الشام أيقونة العطر حاضرة في حرف من حروفه وحتى تلك القصائد الغزلية.
نزار هو الذي يكتب بماء الياسمين وهو الشاعر الذي حمل دارهم الدمشقية إلى كل بقاع الدنيا.. وكل قصور العالم لم تنسه الدار الدمشقية التي يصفها في كتابه قصتي مع الشعر إذ يقول: هل تعرفون معنى أن يولد الإنسان في قارورة العطر؟
اليوم وقد مضى أربع وعشرون سنة على رحيله تبقى قصيدته الدمشقية التي ألقاها في مكتبة الأسد معلقة على جدار الحضور الدائم وهي البهية الندية:
هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي
لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
لو فتحـتُم شراييني بمديتكـم
سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا
وما لقلـبي –إذا أحببـتُ- جـرّاحُ
ألا تزال بخير دار فاطمة
فالنهد مستنفر والكحل صبّاح
إن النبيذ هنا نار معطرة
فهل عيون نساء الشام أقداح
مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني
وللمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمـينِ حقـولٌ في منازلنـا
وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا
فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ “أبي المعتزِّ” منتظرٌ
ووجهُ “فائزةٍ” حلوٌ ولمـاحُ
هنا جذوري هنا قلبي هنا لغـتي
فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟