من على مقهى “الشرق الأوسط” الشعبي في منطقة البحصة – قلب دمشق التجاري- يلف الصمت المطلق مرتادي المقهى، من دمشقيين وأناس من شرق سورية وغربها وشمالها وجنوبها.. صمت بالتأكيد لا يعود إلى الرضى عن الواقع المعيشي الذي وصلت إليه البلاد.. لكن “رأس التنباك” ذا الشكل المخروطي كما “هرم خوفو” وقرقعة طاولات الزهر تفرض جلسات الهدوء والصمت.. ومن غير كلام.
وهنا وما أن استدرت نحو الشرق.. سيسري أمام بصيرتك الكثير من التداعيات والذكريات حول تلك المنطقة الدمشقية المنعتقة من كل شيء إلا رائحة التاريخ.. المحلات والفنادق وكل شيء فيها على حاله من ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم.
وحده مجمع يلبغا بدأ يكسر القاعدة بخلع ثوبه البيتوني الكئيب.. وبدأت الحياة تسري في عروق هذا الصرح المدني والسياحي وحتى الديني.. هو تابع بالملكية إلى وزارة الأوقاف.. التي نجحت في الاستثمار كما نجحت في العلاقة مع الله.
بعد ردح من الوقت القريب سيغير لون مجمع “يلبغا” الزاهي الجديد وجه منطقة المرجة، وستبدأ من داخله أعمال خدمات مصرفية ومطاعم ومكاتب تجارية وغيرها من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، ستوفر الكثير من الفرص وستعود بريع على الناس وعلى الدولة.
ربما أخذ الحديث عن الأصول المملوكة للدولة الكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة، وربما زاد إيراد هذه الأصول نسبياً قياساً مع إيرادات السنوات ما قبل السابقة، لكن إلى اليوم لم تزل العاصمة دمشق تعج بالمنشآت والأبنية الإسمنتية الجرداء، وكذلك المساحات الكبيرة المحفورة والمسورة خاصة في منطقتي الحجاز وفي البرامكة وفي مناطق أخرى.
بدون شك فإن هذه المنشآت تحتاج إلى تمويل كبير حتى تقوم.. وهذا كلام منطقي، لكنها تحتاج أولاً إلى الإرادة وإلى إجراءات وقرارات مرتبطة بحالة الشراكة بينها وبين محافظة دمشق أو أي جهة حكومية أخرى، وتالياً يكون التمويل ولن تكون المشكلة..!!
الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد تفرض أن نلتفت ونحدق ملياً بهذه الفرص الاستثمارية المهدورة أمامنا وهي أصول حكومية بدأت مسارها بالتشارك مع القطاع الخاص، ولن أبالغ القول بأنها ستكون المنقذ والمخلص من شبح التضخم وارتفاع الأسعار.
أما هذا الصمت والتردد الرهيب الذي نعيشه.. محل استغراب واستهجان بآن.. !!
كم فرصة عمل تقوم الآن لإعادة تأهيل مجمع “مجمع يلبغا” وكم فرصة عمل ستقوم بعد أن يوضع بالاستثمار.. هذا حديث عن منشأة واحدة.. وكما يقول جارنا بائع الخضروات والسمانة بالدين.. القلم يا عمي جماع.