الثورة – فاتن أحمد دعبول:
بشغف العاشق المتيم توافد عشاق الأدب الوجيز إلى الملتقى السوري للنصوص القصيرة، وقد حفلت جعبتهم بما أبدعت أقلامهم في الشعر والقصة وفنون الأدب على اختلاف أشكالها، جاؤوا من محافظة اللاذقية وطرطوس، حمص وحماه، ومن السويداء ودمشق، وريفها أيضا، يتحدون ظروف الزمان والمكان لتحقيق شغف استبد بأرواحهم، وإيمان بأن هذا العصر بما اتسم من سرعة يمكنه أن يحتضن الأدب الوجيز بمقوماته الفنية واللغوية كافة، مختصرا حكايات من قلب مجتمع لايزال ينتصر للحب والحياة والأدب والإبداع قبل كل شيء.
وبإدارة الإعلامي علي الراعي أقيم الملتقى ال 23 للنصوص القصيرة في مركز ثقافي” أبو رمانة” وعن هذه التظاهرة السنوية قال الراعي:
إن أكثر ما يدهش هذا الإقبال على الملتقى سواء من قبل المشاركين أو من الحضور، وكان من اللافت حضور المشاركين من غير محافظة رغم التكاليف الباهظة والأزمة الخانقة، لكن حرصهم على الحضور كان أقوى من الظروف.
وأضاف” ربما يجب أن نؤكد أن فعاليات الملتقى الذي تجاوز عددها ال22 في مختلف المحافظات يثبت يوما بعد يوم بأن هذا النوع من الأدب أمسى توجها واضحا في المشهد الثقافي السوري، بأنواعه” القصة القصيرة، القصيدة الومضة .. ” وكذلك بعض أنواع المقاربات لآداب أجنبية، لاسيما اليابانية منها” الهايكو، التانغا، الهايبون” وغيرها.
وبين بدوره أن هذا النوع من الأدب ليس جديدا، بل سبق إليه كثيرون في الأدب الإغريقي “إيسوب” في الزمن اليوناني القديم، قبل ميلاد السيد المسيح، وحكاياته القصيرة التي اتخذت طابع الحكمة، ودعوات الكاتب الأمريكي” همنغواي” لكتابة قصة مؤلفة من 25 كلمة، وتبع ذلك الكاتب الروسي” تشيخوف” ووصيته بكتابة قصص من 50 كلمة، واليوم هناك العشرات من المجموعات القصصية والشعرية التي يدخل محتواها ضمن إطار الأدب الوجيز.
ولا يمكن تجاهل جبران خليل جبران عندما كتب الكثير من الشذرات وأيضا ميخائيل نعيمة والشاعر الكبير أدونيس، ليصل إلى نتيجة مفادها أن الأدب الوجيز هو تحد إبداعي في أن تقول” بيت القصيد” دفعة واحدة دون هدر كل هذا الركام اللغوي، وأن تجد الرؤيا متسعا في الحيز الضيق للعبارة.
وقد تنوعت المشاركات في عناوينها وموضوعاتها، مستمدة من واقع الحياة تارة، ومن خيال شاعر عاشق تارة أخرى، وتارات كثيرة نرى الكلمات تقطر حزنا وأسى وقد تفطر قلب مبدعها من فقد، أو غياب، أو مشاعر مزقتها مصائب الدهر وآلامه.
ومن هذه المشاركات نقتطف من معزوفة الغربة:
” تأملته بذهول وهو يحزم حقيبته، أخبروه جميعهم أنها ستحرث تربة الأجداد، تطاولت غربته، عاد على أشرعة الشوق، أحنت الأشجار رؤوسها وهو يعزف تحت نافذتها، وحين شاهدت ملامح المشيب تكسو هيكله، حارت بأمر من تعيش معه، ركضت إلى غرفتها تنادي ظله القديم، تشكو له هذا الغريب”.
ومن الشعر نقرأ:
على القشور ترسم الوجوه الضاحكة
لا أقشر حزني الناضج، كي لا تسقط الضحكة، من اللوحة.
وعلى جانب الملتقى الذي تميز بالأجواء الحميمة بين المشاركين والحضور قدم د. يوسف حطيني كتابه الصادر عن دار توتول بدمشق، وحمل عنوان” القصيدة القصيرة جدا، جذورها وتداخلاتها وملامحها” كهدية للمشاركين والحضور.