“ميرينا لا ترى الضوء” ليس إلا

الثورة – رنا بدري سلوم:
تعاير البطلة ميرينا في رواية”ميرينا لا ترى الضوء” للدكتورة نتالي دليلة والدها صيّاد السمك، بالجوع الذي أدمنا عليه حتى أسمعت عصافير بطنهما كل أصم، تأخذنا دليلة عبر شخصيات روايتها إلى اليونان، لفتاة هي الشخصية المحوريّة في الرواية تعيش انفصاماً في عدم تقبّلها لواقعها المرير، فالكذب سلاحها الأقوى ” أبي ملاح بحريّ ” الكذب الذي كان حبله طويل منذ بداية الرواية حتى نهايتها، فاستنكرت عالمها الحقيقي لتعيش وهم الرفاهية، ولا أحد يصدّقها من طلاب الجامعة، فملابسها الرديئة والرثة وبقعة الزيت الصفراء تحكي تفاصيل الشقاء الهاربة منه، إلى عالمٍ ثريّ خدّاع.
“أدعى ميرينا فيراسيوس، أبلغ من العمر عشّرين سنة، أعيش في بلدة ميرينا النائية، طالبة منحة مجانية في جامعة “كريت” الخاصة، تخلّت عني والدتي عندما بلغت الثالثة من العمر، لست سوى بقعة زيت صفراء منبوذة تعيش في مقطورة تتسع بالكاد لإنسان!”
الرواية من النوع العاطفي الرومانسي، البطلة ميرينا شخصيّة محوريّة متغيّرة، رفضها لواقعها وإجبار نفسها أن تتحدى المكان والزمان، جعلها في صراع الخير مع الشر، ليغدو هذا الصراع الوجدانيّ والفكريّ هو الخصم والحكم، عدا عن صراعات الشخصيات الرئيسية والثانوية في الرواية كانتزاع المقطورة من “باول” الأب، بمحاولة احتيال من قبل عصابة، ومحاولات عدة ليغدو الأب سارقاً كي يرضي ابنته “شريان القلب” فاحترف السرقة عمداً بل “شاكراً “، ليعاقب بعد حين نفسه في قطع ذراعه من الكتف، من ثم يُعاقب قانونياً بالحبس، من ثم خنقاً من قبل صاحب “مافيا” قد حاول سرقته في حديقة عامة وهي كانت محاولته الأخيرة في السرقة، ثمة رسائل النفس البشرية لا تنفك عن إدهاشاتنا بتناقضاتها القابلة للتحوير فوراً، في تسلسل الأحداث الوعظ أو القيمة الدرس الذي تريد الراوية تلقينه للقارئ بأسلوبها الشاعري والملفت، ” وهم الثقة وصراعات النفس مع الوجود والمحيط، وإدراك قيمة كل دقيقة تمر في اليوم، والوقت معلّم لا معلّم له”، نظريّات ووجهات نظر أمعنت الراوية في إيصالها رغم ضعف الطرح بلسان فتاة تفتقد للعقلانية “أنت تفتقرين كل الافتقار للاستقرار النفسي، كما أن عقدة النقص واضحة بشكل صريح في أسلوب كلامكِ”.
يظهر اللون الأصفر في الرواية كعنصر مؤثر، يسكن الذاكرة الصوريّة للبطلة، فهو “لون العاطفة” بحسب علم النفس، فستان أمها التي ماتت حرّقاً،أثناء محاولتها تلوين ألعابها بلون الشمعة التي أغوتها نيرانها فحرقت ألعابها وخرجت من المنزل مسرعة لتلتهم ألسنة النار السعيرة والدتها، في نهاية الرواية تتكشف الحقائق، تنصدم البطلة حين تعلم حقيقة موت أمها ” وأنها لم تتخل عنها كما أفهمها والدها، لذا عانت من “البايروفوبيا” الفوبيا من النيران وتبقى هذه النيران في ذاكرتها متّقدة لكنها لا تعلم حقيقتها، أما دماها الأربع المحترقة فهي الشيفرة السريّة بينها وبين أمّها التي كانت تهمس في أذنها فتحمل دماها الأربع ” آزير وريسا ويستا وسيتا ” لتقوم باختصار وجمع الحرف الأول من اسم كل منهم في كلمة واحدة “آريس”، الكفيف، الشاب الأول الذي غازلها في الأحداث المتسلسلة في الرواية، لنكتشف أنه مجرد وهم وهو بصيرتها المفقودة وحكمتها “عندما تسلبنا الحياة إحدى حواسنا الخمس، تتضامن مع الأربعة الباقية فترفع من شأنها وتعظّمها، وكأنّما تعيد توزيع ميراث الحاسّة الميتة على أخواتها الأحياء”.
في محاولة خياليّة للراويّة لعب ” آريس” دوره ليعوض البطلة عن نقص العاطفة، هناك شيء ما يأخذنا إلى اللاواعي الذي تعيشه ميرينا المدمنة على “الفينتانيل” بأن حبلها السرّيّ بينها وبين أمها لم ينقطع نتيجة ظهور شخصية آريس الوهمية في الحبكة النمطيّة للرواية، حيث بدأت تسير الأحداث بتسلسل طبيعي حتى حدوث الأزمة النفسيّة وتصاعدها، والذي يمثل في الحقيقة الحكمة والموعظة والتحليل والتفسير وهذا كان دوره في الرواية.
يستحوذ عليك الإدهاش وأنت تقرأ رواية “ميرينا لا ترى الضوء” طباعة اتحاد الكتاب العرب أن شخصية ميرينا بهذا العمر وهذا العمق، بهذه الثقافة بهذا الزخم من لغة شائقة وجميلة وشاعريّة قد تُظهر إبداع الراوية الدكتورة نتالي دليلة وإمكاناتها اللغويّة الشعريّة والتعبيريّة وهو ما نستمتع به طوال قراءتنا للرواية، التي نجحت في إدخالنا عوالم البؤس والشقاء بحرفيّة وإتقان، لكنها لم تستحوذ على تعاطفنا مع صوت البطلة الأنثويّ خلال تسارع الأحداث، فطغى الصوت الأبويّ، لرجلٍ بائس مجنون بابنته منكسر لها، وبسببها مات خنقاً وظلماً.

آخر الأخبار
الطفل العنيد.. كيف نواجه تحدياته ونخففها؟   الجمال.. من الذوق الطبيعي إلى الهوس الاصطناعي   "الطباخ الصغير" .. لتعزيز جودة الوقت مع الأطفال   المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء من التهميش إلى التأثير.. الدبلوماسية السورية تنتصر  متبرع يقدم جهازي "حاقن آلي" وتنفس اصطناعي لمستشفى الصنمين بدرعا  حملة شاملة لترحيل القمامة من مكب "عين العصافير"  بحلب بين دعم واشنطن وامتناع بكين.. الرحلة الاستراتيجية لسوريا بعد القرار "2799" ما بعد القرار "2799".. كيف قلب "مجلس الأمن" صفحة علاقة العالم مع سوريا؟  خبير اقتصادي ينبه من تداعيات التّحول إلى "الريعية"  قرار مجلس الأمن وفتح أبواب "البيت الأبيض".. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية  كيف حول الرئيس الشرع رؤية واشنطن من فرض العقوبات إلى المطالبة برفعها؟ ٥ آلاف ميغا واط كهرباء تعزز الإنتاج وتحفز النمو