راغب العطيه:
تعود الانتهاكات الأميركية بحق مواطنيها الملونين إلى بدايات القرن السابع عشر، عندما بدأ المستعمرون الأوروبيون بجلب الأفارقة قسرا إلى “العالم الجديد” وبيعهم كعبيد للعمل في الزراعة، ومنذ ذلك الحين بدأ التعامل مع هؤلاء الناس ليس كبشر وإنما كسلعة تباع وتشترى، الأمر الذي جعل هذه الفئة مضطهدة ومستغلة من قبل مالكيها جسديا ومعنويا، ومع الزمن أصبحت حقوق الأميركيين السود وآمالهم بالحياة الكريمة في مهب رياح النزاعات بين أمراء الحروب، وضحية فيما بعد للصراعات السياسية التي أبقت هؤلاء البشر وقبلهم الأميركيون الأصليون (الهنود الحمر)، وفيما بعد بقية المجموعات العرقية والدينية التي وفدت إلى الولايات المتحدة الأميركية، أبقتهم جميعا تحت سياط العنصرية المقيتة وعدم المساواة والاضطهاد إلى يومنا هذا.
ومع أن قانون الحقوق المدنية الذي حظر التمييز العنصري في مجالات التوظيف والتعليم والفصل العنصري في المرافق العامة قد صدر منذ عام 1964 إلا انه لم يتغير في جوهر القضية شيء، فبقي الامتياز للمواطن الأبيض والخضوع والخنوع للمواطن الملون.
وقد اغتيلت أحلام الأميركيين الملونين وآمالهم بحياة كريمة ومتساوية مع البيض، باغتيال الناشط السياسي الإنساني مارتن لوثر كينغ في 4 نيسان 1968، والذي شكل فقدانه خسارة كبيرة لا تعوض لحركة الحقوق المدنية في طول الولايات المتحدة وعرضها، وبقيت إرادة التمرد في نفوس الأميركيين السود كالجمر تحت الرماد منذ ستينيات القرن الماضي، تشتعل كلما حدثت جريمة أو مجزرة بحق مواطن أسود أو مجموعة منهم، وقد سجلت العقود الستة الأخيرة حركات احتجاجية واسعة في معظم الولايات الأميركية وكان الكثير من المتظاهرين يتم قتلهم من قبل الشرطة والحرس الوطني بدم بارد دون أي مساءلة من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة.
اقرأ المزيد..
أرقام مرعبة حول جرائم أميركا في العالم.. الصين تدعو للمحاسبة فهل تستجيب المؤسسات الدولية؟
وتجلت العنصرية بأشكال مختلفة ضد السود في العقدين الماضيين، حيث تعاقبت على الحكم ثلاث ادارات واحدة منها بقيادة الأميركي الأسود باراك أوباما، والذي خذل أبناء جلدته الأميركيين السود مجرد دخوله البيت الأبيض، وتواصلت في عهده حوادث العنصرية والاضطهاد تجاه السود والأقليات العرقية الأخرى وأصبحت علنية أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي يؤكد أن ما يسمى “الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان” التي يتجلبب بها النظام السياسي الأميركي ليست إلا كذبة كبرى يتم الترويج لها لتضليل الرأي العام الأميركي والعالمي على حد سواء.
وأكثر ما تتجلى عنصرية الأميركيين البيض ضد الملونين من جانب الشرطة الأميركية، بالرغم من أن السود يشكلون نسبة غير قليلة من تعداد هذه المؤسسة العنصرية الواسعة الانتشار، وغالبا تنتهي الدعاوى التي تنشأ نتيجة لقتل ضباط الشرطة البيض لأشخاص سود أو من أقليات أخرى أو خنقهم حتى الموت، بالبراءة أو بالإسقاط.
ولأن النظام السياسي الأميركي مازالت العنصرية تتجذر في أعماقه، فقد وسع انتخاب الرئيس أوباما خطوط التصدّع العرقي، وعمّق تقسيم البلاد بدل أن يوحدها، وأدخلها حقبة استقطابٍ حادّ أُطلق فيها العنان لخطاب التمييز والكراهية، الأمر الذي قاد إلى انتخاب رئيس عنصري بامتياز وهو الجمهوري دونالد ترامب، والذي انتعشت في عهده ممارسات الشرطة الوحشية ضد الأميركيين السود وظهرت للعلن تحركات الجماعات اليمينية المتطرفة، وجسد مقتل الأميركي الاسود جورج فلويد خنقا حتى الموت في 25 أيار 2020 عينة من عنصرية البيض تجاه الملونين في عهد ترامب، ليأتي بعده الرئيس الحالي جو بايدن ممارسا عنصريته على الشعوب الأخرى من خلال دعم الإرهاب والقتل والتدمير، داعما ذلك بعقوبات اقتصادية قسرية تحرم الأطفال من الحليب والدواء كما هو الآن في سورية التي تواصل حربها ضد الإرهاب وكل القوات الأجنبية المحتلة.