عبد الحليم سعود:
لعلها من أكثر الأمور نفاقاً وتضليلاً للرأي العام العالمي واستفزازاً لمشاعر الإنسانية جمعاء هو قيام دولة أو جهة ما بتنصيب نفسها قاضياً في مجال حقوق الإنسان ومن ثم تصنيف بقية دول العالم وشعوبه في قوائم خاصة تبعا لاحترام أو عدم احترام لهذه الحقوق، بينما هي في حقيقة الأمر الجهة الأكثر اعتداءً على الشعوب والدول والأكثر انتهاكا وإجراما لحقوق الإنسان على مر العصور.
فلا أحد يستطيع أن يجادل حول الجهة الأكثر تعديا على حقوق الإنسان في العالم، إذ تتصدر الولايات المتحدة الأميركية بتاريخها القصير نسبيا – حوالي ثلاثة قرون قائمة الدول والجهات والأطراف التي انتهكت حقوق الإنسان على مر التاريخ، وإذا ما اقتصر البحث فقط على جرائم أميركا ضد الإنسانية وحقوق الإنسان خلال العقدين الماضيين وتم استثناء كل جرائم الإبادة التي ارتكبتها بحق ملايين الهنود الحمر وشعوب أميركا اللاتينية وأميركا الوسطى، وجرائمها الكثيرة في الحربين العالميتين، وقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالقنابل الذرية، وإشعال فتيل الحرب الكورية التي راح ضحيتها مئات الآلاف، وغزو فيتنام وبنما وغيرها، ومهاجمة كوبا وإيران وليبيا والصومال والسودان، ودعمها المتواصل للكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين والمجرم بحق شعب فلسطين وبقية شعوب المنطقة، وتنفيذ العديد من الانقلابات العسكرية واغتيال آلاف الشخصيات السياسية والعلمية حول العالم، فسنجد ما يبرر دعوة الصين مؤخرا لمحاسبة الولايات المتحدة بسبب جرائمها المرتكبة بحق الإنسانية.
أما فيما يتعلق بملف الحرب الإرهابية على سورية، فقد كانت الولايات المتحدة المحرض الأول على الفوضى والتظاهر غير السلمي، والمشجع الأول على رفض الحل السياسي من قبل الجماعات التابعة لها والتي تنفذ أجنداتها، وحتى هذه اللحظة لم تتوقف واشنطن عن جرائمها بحق السوريين حيث يتجلى ذلك بالعقوبات الاقتصادية والحصار وسرقة الثروات النفطية والزراعية، إلى جانب دعم الجماعات الإرهابية في داعش وجبهة النصرة وغيرهما، وتشجيع عملائها في مليشيا قسد على المضي في مشروع انفصالي يهدد وحدة وسلامة الأراضي السورية، وقد سبق لقوات الاحتلال الأميركي أن دمرت مدينة الرقة بحجة تحريرها من تنظيم داعش الذي أنشأته في العراق، وقامت بتنفيذ العديد من الاعتداءات على مراكز البحث العلمي في سورية وبعض المطارات والمناطق المدنية دون أي دليل يثبت ادعاءاتها، وكل ذلك خارج القانون الدولي وفي تحد مباشر للأمم المتحدة وقوانين الشرعية الدولية.
كما دعمت الولايات المتحدة الحرب العدوانية على اليمن وقدمت كل أنواع السلاح الفتاك والمدمر للنظام السعودي، وصمتت عن جرائمه المتواصلة بحق الشعب اليمني وتاريخه وحضارته وبنيته التحتية ما خلف دمارا هائلا ووضعا إنسانيا مزريا وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فأين هي النخوة الأميركية “الافتراضية” من المأساة التي يعيشها الشعب اليمني ولاسيما أن هناك ما يقرب من 15 مليون يمني يعيشون حالة مجاعة بسبب الدعم الأميركي لهذه الحرب الظالمة.