الثورة – حسين صقر:
أعادتني فترة تحضير طلابنا الأعزاء، لامتحانات الشهادتين الثانوية والإعدادية إلى السنوات الأولى من الحرب الإرهابية التي شُنّت على سورية ولاتزال، والتي ترافقت مع العقوبات الاقتصادية الغربية الجائرة والظالمة بحق الشعب السوري المقاوم.
أعادتني تلك الفترة إلى تلك السنوات التي بدأنا فيها نعاني الغلاء وانقطاع الكهرباء وأزمة النقل والمواصلات، وكيف كان الغالبية العظمى من السوريين يساعدون بعضهم، منهم من ينقل الركاب عن الطريق في سيارته الخاصة دون مقابل، ومنهم من آوى الوافدين والهاربين من جرائم العصابات الإرهابية إلى المناطق الآمنة، والتي لم تستطع أيدي الغدر والخيانة أن تنال منها، وغير ذلك من وجوه ومعاني التعاون الذي ساد وانتشر، وضم المساعدات المادية والسلل الغذائية وغيرها.
وكان أبرز ما يميز السوريين هذا الإحساس بالآخر حتى تجاوز المرحلة الصعبة بالإمكانات المتوافرة والتي ساعدت على موجهة الظروف، حتى بدأنا نتكيف أكثر ونطور أنفسنا تدريجياً لجعل تلك الحرب وعواقبها خلفنا.
فما أذكره مثلاً على سيرة التحضير للامتحانات وما قبلها أي خلال العام الدراسي، كيف كان التلاميذ يواضبون على الدراسة رغم الأضواء الخافتة والتقليدية كالشمعة و”اللكس” الذي يعمل على الغاز في حال توافره، والقنديل الذي يشتعل بالكاز، وكذلك الفانوس وإذا لم تتوافر المادة، يتم استبدالها بالمازوت المخلوط مع الملح، أو استخدام بعض الزيوت كالنفط وغيرها، أي عاد أبناؤنا لاستخدام تلك الأدوات التي استخدمها أباؤنا وأجدادنا وحتى نحن قبل قدوم الكهرباء.
التلاميذ عانوا الأمرين حتى بدأ الاكتشاف “المبهر” ذلك القرص الليزري المزروع بالحبيبات الصغيرة والموصول إلى “بطارية” أو مدخرة صغيرة استطاعتها بعض أمبيرات والتي تكاد تكفي ساعة أو ساعتين إضاءة ليرتاح الطالب من رائحة الأدخنة الصادرة عن القناديل والشمع وغيرها، وكيف واكب السوريون ” التطورات” في الإضاءة إلى مايسمى ” الليد” والمدخرة الأكبر مع الشاحن، ثم “الإنفيرتر” لمتابعة التلفاز، ثم بدات أولاً بأول تظهر في الاسواق الطاقة البديلة والألواح الشمسية وغيرها من خلال ذلك التطور التدريجي وعبر الصبر ومراعاة الظروف ثم مواجهتها.
نعم السوريون قادرون على التكيف مع أصعب الظروف وحالكات الليالي، وصبروا على الغلاء وازمة النقل والمواصلات والحصول على أدنى متطلبات الحياة المعيشية، ومستعدون للمواجهة والمقاومة سنوات، ولديهم المبادرة والفكرة لتجاوز المراحل الصعبة، لكن شرط أن يتعاون من هم في مركز القرار معهم، وألا يكون هؤلاء والزمن على المواطن، ولاسيما أننا بتنا نعاني مراحل حرجة في تأمين تلك المتطلبات، ويندرج ذلك حتى على الميسورين والتجار والمقاولين وأصحاب المهن الحرة والذين بدؤوا بإعادة حساباتهم وضغط نفقاتهم، واستخدام ما تم ادخاره خلال سنوات اليسر .
ورغم الحصار الغربي الجائر فالوطن مليء بالخيرات والثروات، ونحن فقط بحاجة لإدارة تلك الثروات واستخدامها في مكانها الصحيح، ومحاسبة الفاسدين والمقصرين والمتسلقين، والاعتماد على أصحاب الضمائر و الخبرات والكفاءات، وإلا سوف تمتد سنوات الحرب عقوداُ أخرى، ولن ندرك أنفسنا إلا بعد فوات الأوان.