الملحق الثقافي – مها محفوض محمد:
ربما لايعرف الكثيرون من جيل الشباب متعة المتخل الذي تقدمه الروايات التي أصبحت إيقونات ورفيقة الدرب في كل حل وترحال، زوربا للروائي اليوناني كازنتزاكي، واحدة من أشهرالأعمال الرائعة عبر التاريخ الأدبي المعاصر، وبطل الرواية زوربا أصبح من لحم ودم، يكاد يكون في كل منا، ومع موجة الأزرق ثمة من يعمل على نشر قطوف مما قاله زوربا، مما جاء في الرواية ترتيل إبداع وكما قرأنا محاور زربا يقول له:
لا أراك تصلي يا زوربا
الذي يصلي لن تراه
– هل معنى هذا أنك تصلي؟
نعم، لا تستطيع قطرة البحر إلا أن تكون في أعماق الموج.
– ولكن كيف تصلي؟
هل تعتقد أن أصلي صلاة شحاذ وضيع يتذلل من أجل أطماعه ومخاوفه؟؟
.. بل أصلي كرجل.
– وكيف يصلي الرجال؟
بالحب ..
أقف وكأن الله يسألني: ماذا فعلت منذ آخر صلاة صليتها لتصنع من لحمك روحًا؟
فأقدم تقريري له وأقول:
يارب أحببت فلانًا ومسحت على رأس ضعيف
وحميت امرأة في أحضاني من الوحدة
وابتسمت لعصفور وقف يغني لي على شرفتي ..
وتنفست بعمق أمام سحابة جميلة تستحم في ضوء الشمس ..
وأظل أقدم تقريري حتى يبتسم الرب
– وإن ابتسم؟
نضحك ونتكلم، كصديقين.
من هو زوربا..؟
تقول الموسوعة الحرة:زوربا هي شخصية حقيقية قابلها نيكوس في أحد أسفاره، وقد أعجب به إعجاباً شديداً، فكتب رواية باسمه. اللافت في رواية زوربا، هو قدرة نيكوس على وصف شخصية زوربا بشكل مطوّل ومفصّل وعميق، حتى إنك تشعر لوهلة أن زوربا هو الشخص الأعظم في هذا الكون. المميز في زوربا هو أنه يحب الحياة بكل أشكالها، لا يذكر الحزن، بل يذكر الفرح دائماً. في لحظات حزنه الشديد، أو سعادته الشديدة، يرقص رقصته المشهورة، (رقصة زوربا).. في تلك الرقصة، يقفز إلى الأعلى لأمتار ويستغل كل ما هو حوله من بشر أو من أدوات وجمادات.
يروي شخصية زوربا، شخص لقبه «الرئيس» وهو شخص يوناني يرغب في استثمار أمواله في مشروع ما، فيقنعه زوربا بأنه يستطيع استثمار أمواله في منجم للفحم، ولكن محاولات زوربا لصناعة مصعد ينقل الفحم من مكان لمكان، تبوء بالفشل، ولكن زوربا المفعم بالحياة لا ييأس يحتاج زوربا لأدوات من المدينة، فيأخذ كل أموال «الرئيس» ويذهب إلى المدينة، فيشعر بالتعب، فيدخل إحدى الحانات، فتقترب منه «غانية» فيرفضها، فتشعره بانتقاص الرجولة، ولكن زوربا المفعم بالرجولة لا يقبل هذا التصرف، ويصرف كل أمواله عليها، ويكتب رسالة إلى «الرئيس» أنه: «دافع عن كل الرجولة في العالم».
زوربا شخص أمّي لا يعترف بالكتب، وبالمقابل «الرئيس» صديقه شخص مملوء بالكتب، ولطالما سخر زوربا من تلك الكتب، يقول: كتبك تلك أبصق عليها، فليس كل ما هو موجود، موجود في كتبك. <ويتضح من الرواية، أن كليهما يمثل قطباً للتناقض، ورغم ذلك التناقض فقد كان يجمعهما حب عميق وصداقة شفافة وصادقة. لقد جمعت بين هذين الشخصين المتناقضين فكرياً وعقائدياً وسلوكياً علاقة وشيجة قوامها لا المصلحة أو تبادل المنفعة بقدر ما هي علاقة تحكمها التكاملية فكل منهما رأى في الآخر مكملاً لنفسه، وكأن كلا منهما وجد في الآخر نصفه المفقود أو نصفه الذي يبحث عنه، وإن كان من الواضح أن قوة تأثر الراوي المتمثل بشخص الإنسان المثالي، كانت أكبر من قوة تأثر زوربا به.
باختصار:
زوربا هو أحد الرجال البسطاء الطيبين أولئك النادرين الذين يمتلكون قلوبًا شغوفةً ناصعةً لا تشوبها شائبة، رغم أنه أميٌّ؛ لا يقرأ أو يكتب، لكنه يمتلك خبرةً واسعة استمدها من حياته التي عاشها بتجاربها الواسعة، واستطاع أن يتلقف منها أعظم ما فيها من قيمٍ ويعيش أجمل ما فيها من لحظات.
عمل زوربا مهنًا لا تُعد ولا تحصى وبقي يتنقل من مهنة إلى أخرى، ورغم بساطته الكبيرة لكنه بوتقةٌ اختلطت فيها كل الصفات الرائعة التي يتمنى القارئ أن يحظى بها، فهو حر لأبعد حد، محبٌ وكاره، مؤمن بروعة الحياة الإنسانية وأهمية اللحظة الحالية بصرف النظر عن تعقيداتها.
هو مغامرٌ زاهد لا يثبط عزيمته عن خوض غمار روعة الحياة شيئًا.
سنة 2012 قدمت «مؤسسة كازاندزاكيس» المسؤولة عن تراث نيكوس كازاندزاكيس الثقافي والإبداعي بالسماح لسلسلة «آفاق عالمية»، التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية الحقوق الحصرية لترجمة ونشر رواية «زوربا اليوناني» إلى العربية عن نصها الأصلي اليوناني مباشرة، وكاملة بلا اختصارات أو حذف، وبصورة قانونية بعد أن صدرت من قبل عدة ترجمات عربية متسرعة للرواية، بصورة مشوهة وناقصة، عن لغات وسيطة كالإنجليزية والفرنسية، في أعقاب صدور الفيلم الشهير واكتساحه للسينما العالمية. في السينما
نقل المخرج اليوناني مايكل كاكويانيس الرواية في ستينيات القرن الماضي إلى فيلم هوليودي، وقام ببطولته أنتوني كوين، وإيرين باباس، وآلان بيتس. فيما أعد له الموسيقا الموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوراكيس، الذي ألف – عام 1988- «باليه» بعنوان «إلكسيس زوربا»، تم تقديمه في المرة الأولى بفيرونا الإيطالية.
العدد 1098 – التاريخ: 7 – 6 – 2022