غزو .. مصطفى سعيد؟!

الملحق الثقافي – غسان شمه:

« نعم يا سادتي، إنني جئتكم غازياً في عقر داركم، قطرة من السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ».
إنه السوداني مصطفى سعيد الذي قام منفرداً بغزو دولة الانكليز التي غزت بلاده، يقوده الطيب صالح في روايته الشهيرة « موسم الهجرة إلى الشمال» بحنين الجنوب إلى قهر من قهره رغم أنه لا يمتلك من الأسلحة سوى عقله، وأساطيره الإفريقية، وسحره الغامض ببشرته السوداء، وخليط من الأعشاب المعطرة التي نشرها في غرفته التي تحولت لساحة حرب يقود إليها الكثير من النساء « أنا الغازي الذي جاء من الجنوب، وهذا ميدان المعركة الجليدي الذي لن أعود منه ناجياً. أنا الملاح القرصان وجين مورس هي ساحل الهلاك».
تميل الدراسات الأدبية والنفسية إلى كشف ذلك الصراع الناتج عن لقاء المستعمَر خالي الوفاض من الأسلحة الفاعلة، مع المستعمِر الذي يمتلك أسلحة التفوق « الحضاري والتقني» ليجد في الجنس وسيلة انتقام تعوضه عن ضعفه، فيوظف كامل إمكانياته العقلية والنفسية وأساطيره المحمومة للسيطرة على عقل نسائها اللواتي يشكلن ميداناً لمعاركه الموهومة، لكن الصورة لا تكتمل بذلك فبعد العديد من العلاقات التي ينتهي معظمها بشكل مأساوي تأتي جين مورس لتكون حبل الجنون والتعلق الذي يفضي إلى جريمة قتل حقيقية تكشف في جدليتها الشد والجذب الذي يعيشه البطل مع المرأة الانكليزية بين الرغبة بالحي والقتل في آن معاً..
تخيل تلك المعركة الضروس التي يخوضها مصطفى سعيد « أمسكها فكأني أمسك سحاباً، كأنني أضاجع شهاباً، كأنني أمتطي صهوة نشيد عسكري بروسي».
هنا نستعيد مع الكاتب صورة الالتقاء الأكثر أهمية في بناء الشخصية، فمصطفى سعيد هو «أول سوداني يرسل في بعثة إلى الخارج وكان ابن الانكليز المدلل، وأول سوداني تزوج إنكليزية أو أوروبية إطلاقاً»… فكان هذا التلاقي أشبه بمعرفة أدواتها، أدوات معركة تعكس رغبة في غزو الغازي ولكن بأدوات أخرى، استخدم فيها «البطل» عقله الذي كان «مدية حادة تقطع في برود وفعالية» و» كان المعلمون ينظرون إلي كأنني معجزة» استخدم ذلك كله وثقافته التي اكتسبها من الغرب نفسه في تطويع كلّ ما يمتلك من إمكانيات لتحقيق غزوه الخاص، غزو ثقافي من نوع فريد خلق له أدواته ليؤكد للآخر مقدرته على الانتقام بطريقته ولكن متورطاً مع هذا الآخر بكثير من المفاهيم والمصطلحات الثقافية « النفسية والذكورية» لتحقيق غايته..
ولا بد من الإشارة إلى المثقف، حامل الدكتوراة، العائد من نفس المكان الغربي، والذي يوكل إليه مصطفى السعيد الوصاية على زوجته وابنيه قبل أن يغادر المشهد إثر طوفان النهر تاركاً وراءه الكثير من الأسئلة المعلقة عن دور المثقف في بلاده، وكاشفاً في الوقت نفسه عن عجز شديد الأثر للمثقف «الدكتور، وقبله مصطفى سعيد نفسه» الذي فشل في مهمته بسبب من تردده وخوفه فكانت الإشارة العميقة تنطوي، على نحو ما، على إدانة واضحة للمثقف الذي يعيش حالة من ضياع الهدف، أو التردد في الإقدام على القيام بدوره المنتظر..
مصطفى السعيد شخصية شديدة التركيب والغنى على الصعيد الفكري والنفسي في مرحلة شديدة الأهمية لتلك البلاد التي كانت تبحث عن حضور وعن شخصية تعكس صراعات عديدة على المستوى الفكري والنفسي بين طرفي الغزو الروائي؟!

العدد 1098 – التاريخ: 7 – 6 – 2022

آخر الأخبار
الاقتصاد السوري.. المتجدد زمن الإصلاح المالي انطلاق الماراثون البرمجي للصغار واليافعين في اللاذقية محليات دمشق تحتفي بإطلاق فندقين جديدين الثورة - سعاد زاهر: برعاية وزارة السياحة، شهدت العاصمة دم... السفير الفرنسي يزور قلعة حلب.. دبلوماسية التراث وإحياء الذاكرة الحضارية تحضيرات لحملة مكافحة الساد في مستشفى العيون بحلب 317 مدرسة في حمص بحاجة للترميم أردوغان: لا مكان للتنظيمات الإرهابية في مستقبل سوريا  من العزلة الى الانفتاح .. العالم يرحب " بسوريا الجديدة" باراك: نتوقع تشكيل حكومة سورية شاملة قبل نهاية العام أهالي قرية جرماتي بريف القرداحة يعانون من انقطاع المياه "الأمم المتحدة" : مليون  سوري عادوا لبلادهم منذ سقوط النظام البائد  "إسرائيل " تواصل مجازرها في غزة.. وتحذيرات من ضم الضفة   "فورين بوليسي": خطاب الرئيس الشرع كان استثنائياً بكل المقاييس  فوز ثمين لليون وبورتو في الدوري الأوروبي برشلونة يخطف فوزاً جديداً في الليغا سلة الأندية العربية.. خسارة قاسية لحمص الفداء  رقم قياسي.. (53) دولة سجّلت اسمها في لائحة الميداليات في مونديال القوى  مع اقتراب موسم قطاف الزيتون.. نصائح عملية لموسم ناجح "جامعة للطيران" في سوريا… الأفق يُفتح بتعاون تركي "التربية والتعليم" تعلن آلية جديدة لتغيير أسماء بعض المدارس