فاوست ساحر الواقع

الملحق الثقافي – سلام الفاضل:
احتلت مسرحية (فاوست) للكاتب المسرحي الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته مكانة مرموقة في تاريخ الأدب العالمي، وهذه المسرحية التي تجري أحداثها في جو من السحر والشعوذة والشياطين والأرواح، هي مسرحية تراجيدية تقع في جزأين، وقد عدّها بعض النقّاد العمل الأكثر شهرة للكاتب الألماني غوته. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا من هو (فاوست) بطل هذه المسرحية الرئيس، الذي هو نموذج الإنسان الساعي إلى القوة والكمال، والذي سخّر السحر والقوى الخارقة للطبيعة، واستعان بالشيطان، وعقد صفقات معه، من أجل تنفيذ ما يصبو إليه، وتحقيق ما يعجز عن أدائه. هل هو شخصية ابتدعها غوته خدمةً لمسرحيته، كي يُسند دور البطولة إليها؟ أم أنه شخصية وجدت في الواقع، واستقاها غوته منه مستنداً في ذلك إلى ما حيك حولها من روايات وأخبار نسجها الأدب الشعبي في زمانه؟ «فاوست» في التاريخ إن (فاوست) بطل مسرحية غوته، هو شخصية تاريخية ولد في مدينة رود بالقرب من فيمار في أواخر القرن الخامس عشر، وتوفي على الأرجح سنة 1543. درس اللاهوت، وبرز فيه حتى نال درجة الدكتوراه، لكنّه اتخذ بعد ذلك مسلكاً لا يتفق مع ما يأمر به الدين، إذ اهتم بأعمال السحر، وانصرف للتأمل فيه ودراسته ليل نهار، فأولع به ولعاً شديداً إلى أن انتهى به الأمر إلى استحضار الجن والشياطين، وعقد الصفقات معها لتكون مطيعة له في كلّ ما يطلبه طوال حياته، دون أن تخفي عنه شيئاً، وتصدقه في كلّ مسألة يطلب معرفتها، وذلك مقابل أن يعهد بأن روحه قد أضحت ملكاً لها، وأن يصادق على هذا العهد بدمه، وأن يخرج من الدين ويصبح عدواً له. وأول وثيقة ذكرته رسالة كتبها أحد المتهمين بالسحر ويدعى يوهن ترتهيم في عام 1507 إلى الرياضي يوهان فردونج، يقول فيها: «إن هذا الرجل الذي كتبت إلي بشأنه، هذا المدعو جورج سابليكوس، الذي تجاسر فادعى أنه أول العرّافين، هو متشرد وكاتب جوّال، يستحق أن يجلد من أجل أن يشفى من ولعه بالإعلان عن أمور رهيبة مخالفة للكتاب المقدس. إن الألقاب التي ينتحلها لنفسه دليل على عقل أبله مختل، ومدّع وليس فيلسوفاً». ليظهر ذكر فاوست مرة أخرى في جلنهوزن عام 1506، ثم في فورتسبورج في العام التالي، وصولاً إلى العام 1513 حيث كتب عنه موتيانوس روفس إلى صديقه هينرش أوربانوس يقول: «منذ ثمانية أيام وصل إلى أرفورت عرّاف يقرأ الكف يدعى جيوجيوس فاوستوس، وهو مغرور ومجنون، وفنه مثل فن سائر العرّافين ليس جدياً، ووزنه لا يزيد عن عنكبوت على سطح الماء. والجّهال معجبون به، فليثر عليه رجال اللاهوت». وتتالت بعد ذلك الشهادات التي تبين ظهور فاوست في عدد من المدن التي أقام فيها زمناً طال أو قصر عارضاً من الخوارق والتهاويل الكثير، ولا شك في أن مارتن لوثر، المصلح الشهير قد عرف فاوست هو الآخر، حيث جاء على ذكره في أحاديث المائدة (طبعة فرانكفورت عام 1568)، وفي ذلك يقول فدمن: «ذات يوم كان لوثر يستضيف على مائدته بعض الضيوف، فأفضى الحديث إلى الكلام عن الدكتور فاوست، وذكر الألاعيب التي قام بها حديثاً. وهنا قال الدكتور لوثر بلهجة جادة، إن فاوست هذا له أن يصنع ما يشاء، لكنّه في النهاية سيدفع الثمن غالياً». وقد أثير حول هذه الشهادات ومصادرها بعض الإشكاليات، ومنها اختلاف اسم فاوست فيها، فهل كانت جميعها تتحدث عن الشخص ذاته؟؟ وقد فسر الباحثون ذلك باضطرار فاوست تغيير اسمه نظراً لأنه هارب من العدالة، إضافة إلى عمره وسنة وفاته، حيث لم يذكر المؤلفون ذلك بدقة. «فاوست» في الأسطورة وبطل مسرحية غوته مع ما شابه من قدرة على ابتداع الأعاجيب والحيل والأحابيل التي تنافي الواقع والحقيقة كان لا بدّ له أن يتحول إلى أسطورة، كما ذكر فاليجان، وقد تكوّنت هذه الأسطورة على ثلاث مراحل؛ اختلط فيها، في المرحلة الأولى، التاريخ بالأكاذيب، وذلك لدى المؤرخين المعاصرين له، فقد ذكروا أخباراً مزجت رواياتها الواقع بالخيال. لتبدأ المرحلة الثانية على شكل روايات شفوية يتناقلها الناس في أوقات فراغهم، يقصّون عما قام به من سلوك وأفعال مليئة بالتهاويل الروايات العجيبة. لتنتقل الأسطورة في المرحلة الثالثة من الشفاه إلى سجلات الكتب، حيث تداولت عديد من المخطوطات نوادر فاوست، قبل أن يصدر عن قصته كتاب شعبي. الكتاب الشعبي سُجّلت أسطورة الدكتور فاوست في كتاب شعبي كُتب على يد كاتب مجهول، وصدر عن الناشر يوهان أشبيس عام 1587 في مدينة فرانكفورت، تحت عنوان :(تاريخ الدكتور يوهان فاوست، الساحر الشهير جداً، وكيف باع نفسه للشيطان لمدة محدودة، والمغامرات العجيبة التي شاهدها في تلك الفترة، أو تسبب فيها، أو عاناها هو نفسه إلى اليوم الذي تلقى فيه جزاءه الذي استحقه). وقد جاء هذا الكتاب على ثلاثة أقسام، تناول القسم الأول منه نشأة فاوست حتى عقده الميثاق مع الشيطان، ثم مغامرات فاوست في صحبة الشيطان، ثم لقاء فاوست بالامبراطور شارلكان وعدد من النبلاء، وأخيراً نهاية فاوست.
«فاوست» غوته كان غوته في الرابعة من عمره عندما التقى أول مرة بشخصية الدكتور فاوست، حين أهدته جدته مسرحاً للعرائس في ليلة عيد الميلاد عام 1753، ومن بين القطع التي احتواها قطعة عن الدكتور فاوست. ليعود غوته إلى الاهتمام بعالم السحر وعلومه إثر تحوّله إلى مريض سوداوي المزاج امتلأت نفسه بالأفكار المأساوية حتى فكر في الانتحار، ليشفى، ظناً منه، على يد طبيب صديق له بفضل علاج سحري، فأخذ يقرأ كتابات باراسلسوس، وفان هلمونت، وفلنج، كما راح يجري تجارب صنعوية مستعملاً الأنابيق لتحضير السائل السيليكي، ليهتم لاحقاً بأسطورة الدكتور فاوست، وينشر في العام 1790، في المجلد السابع من مجموع مؤلفاته: (فاوست: شذرة) وهي الصورة الأولية لمسرحية (فاوست) وتمثل نحو ثلث الصورة النهائية، وتشتمل على المشاهد التالية: مناجاة فاوست – استحضار روح الأرض – الحوار مع فجنر – الحديث بين مفستوفيلس والتلميذ الجوّال – حانة آورباخ – جملة مشاهد تدرو حول مارجريت وعلاقتها بفاوست. ليستأنف العمل عليها مجدداً، بعد توقفه عنه وذلك بتحريض من الشاعر والفيلسوف الألماني فريدرش شلر الذي كان له التأثير الحاسم في حمل غوته على مواصلة العمل في فاوست، ليهدي غوته بذلك إلى الأدب الألماني خاصة، والعالمي بشكل عام أروع الأعمال الأدبية وأكثرها خلوداً.
العدد 1098 – التاريخ: 7 – 6 – 2022

آخر الأخبار
توزيع سلل صحية في ريف جبلة مرسوم بمنح الموفد سنة من أجل استكمال إجراءات تعيينه إذا حصل على المؤهل العلمي مرسوم يقضي بالسماح لطلاب المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا المنقطعين بسبب الثورة بالتقدم بطلب... مرسوم بمنح الطالب المستنفد فرص الرسوب في الجامعات والمعاهد عاماً دراسياً استثنائياً مرسومان بتعيين السيدين.. عبود رئيساً لجامعة إدلب وقلب اللوز رئيساً لجامعة حماة   انفجارات في سماء الجنوب السوري منذ قليل إثر اعتراض صواريخ إيرانية أوقاف حلب.. حملة لتوثيق العقارات الوقفية وحمايتها من المخالفات والتعديات تفعيل النشاط المصرفي في حسياء الصناعية تحديد مسارات تطوير التعليم في سوريا تعاون  بين التربية و الخارجية لدعم التعليم خطط لتطوير التعليم الخاص ضمن استراتيجية "التربية"   تجارة درعا.. تعاون إنساني وصحي وتنموي مع "اينيرسيز" و"أوسم" الخيرية بدء توثيق بيانات المركبات بطرطوس الهجمات تتصاعد لليوم الرابع.. والخسائر تتزايد في إيران وإسرائيل صالح لـ (الثورة): أولى تحدّيات المرحلة الانتقالية تحقيق الاستقرار والسلم الأهل مشاركون في مؤتمر "الطاقات المتجددة" لـ"الثورة ": استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة ودعم البحث العلمي قتلَ وعذبَ معتقلين في مشفى المزة العسكري.. ألمانيا تحكم بالمؤبد على أحد مجرمي النظام المخلوع  "تجارة إسطنبول": نجري في سوريا دراسة ميدانية لفرص الاستثمار "الفيتو الأميركي".. هل حال دون اغتيال خامنئي؟.. نتنياهو يعلّق الفساد المدمِّر.. سرقة الكهرباء نموذجاً عطري: العدادات الذكية ليست حلماً بعيداً بل هي حل واقعي