أوروبا توصد كل أبواب الحوار مع روسيا، على غرار إغلاق أجوائها أمام طائرة الوزير سيرغي لافروف إلى صربيا، والسفير الأميركي لدى موسكو لا يستبعد أن تغلق روسيا والولايات المتحدة سفارتيهما على أراضي بعضهما البعض، و”الناتو” لا يكف عن إطلاق تهديداته بمواصلة التوسع شرقاً، فيما بات خبراء وساسة أميركيون يحذرون إدارة بايدن من مغبة التورط أكثر في الوضع الأوكراني تجنباً لمواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، وهذا يتزامن مع ارتفاع منسوب الضغط الأميركي والغربي ضد الصين، ووضع المزيد من العراقيل لقطع الطريق أمام أي حل يعيد الاتفاق النووي مع إيران إلى سكته الصحيحة، وكل ذلك يشير إلى ضخامة وفداحة التعقيد الحاصل على مستوى العلاقات الدولية.
الولايات المتحدة وحدها من يتحمل مسؤولية هذا التصعيد غير المسبوق على الساحة العالمية، فهي من تقود السياسة الأوروبية والغربية على وجه العموم، ولها مصلحة كبيرة في تقويض الأمن والسلم الدوليين، بهدف إعادة ترتيب تحالفاتها بما يخدم إستراتيجيتها في الحفاظ على مكانتها القيادية، وتثبيت نهج الهيمنة الذي كرسته طوال العقود الماضية، ولكن رياح موازين القوى الدولية الجديدة تقودها نحو الاتجاه المخالف لرغباتها وأطماعها التوسعية، حيث تراكم إدارة بايدن الفشل الذي حصدته إدارتي أوباما وترامب لجهة احتواء روسيا والصين، أو احتواء المتغيرات الحاصلة في موازين القوى العالمية التي باتت تهدد دور أميركا كدولة عظمى.
الدفع الأميركي نحو مواصلة استهداف روسيا عبر البوابة الأوكرانية، مرجح أن يخرج في أي لحظة عن سياق الابتزاز وسياسة الضغوط القصوى، والتحشيد ضد الصين عبر إنشاء تكتلات عسكرية له عواقب خطيرة في ظل تعزيز بكين قدراتها، وتمسكها بمبدأ الدفاع عن سيادتها وأمنها، وكذلك فإن تشديد الخناق على إيران بملفها النووي، ومحاصرة محور المقاومة بالإرهاب الأميركي، له ارتدادات عكسية لن تكون واشنطن وحلفاؤها في المنطقة بمنأى عنها، ولذلك يتوجب على واشنطن الاستماع لنصائح بعض سياسييها وخبرائها العسكريين والاقتصاديين، بعدم التمادي أكثر في التورط بإشعال حروب ونزاعات جديدة، والجنوح نحو العمل على إيجاد حلول سياسة، فهذه الطرق أسلم للمصلحة الوطنية الأميركية.
الواضح من خلال العبث الأميركي بالأمن العالمي، أن إدارة بايدن لا تريد الاستماع إلى لغة العقل، إذ تهيئ الأجواء الدولية لمزيد من النزاعات التي قد تولد حروباً جديدة، بعدما حضرت كل أدواتها وحوامل مشروعها الاستعماري، ولكنها لم تأخذ في حساباتها ارتدادات الفشل.. ولو فعلت، لكانت اتعظت من فشل سياسات إدارتي أوباما وترامب السابقتين، وعمدت لتصحيح أخطائهما، بدل العمل على مراكمة تلك الأخطاء.