عبد الحليم سعود:
منذ بداية الحرب الإرهابية على سورية عام 2011 تحولت تركيا بنظامها الحالي من دولة جارة وصديقة لها علاقات طيبة مع الدولة السورية إلى دولة معادية، حيث ظهرت نيات نظام أردوغان الأخواني وأطماعه بشكل واضح منذ بداية الأحداث، وتكشفت يوماً بعد يوم عبر تصريحات تصعيدية من قبل أركان النظام التركي وصولاً إلى احتضان ما يسمى “بالمعارضات السورية” وإقامة معسكرات لتدريب الإرهابيين الذين يقاتلون الدولة السورية مروراً بالتدخلات العسكرية المباشرة على طول الحدود بذرائع حماية الأمن القومي التركي المزعوم.
وقد تعاملت الدولة السورية بحكمة بالغة وأناة وصبر مع الموقف التركي المتغير المرتكز على دعم الفوضى والتخريب والعنف، حرصاً منها على عدم انزلاق الأمور إلى مواجهة عسكرية وتخريب العلاقات بين البلدين والشعبين، ولكن تمادي نظام أردوغان باختلاق الذرائع الكاذبة واستغلاله للظروف المركبة لتمرير أجنداته الخاصة وأطماعه التوسعية لم يترك للدبلوماسية مطرحاً، الأمر استوجب ردوداً متناسبة من قبل الدولة السورية تراوحت من الإدانة للانتهاكات التركية للسيادة السورية والدعوة لوقفها وصولاً إلى الرد عليها بما يليق بها عسكرياً وبما يتوافق مع حقها القانوني في الدفاع عن سلامة أرضها وشعبها.
وعلى مدى سنوات الحرب لم تغادر سورية موقعها الدفاعي ضد سياسات العدوان والاحتلال من أي جهة كانت وخاصة الجانب التركي، حيث شهدت التدخلات العسكرية التركية المتكررة دعماً للجماعات الإرهابية، مواجهات شرسة بين الجيش العربي السوري وبين جيش الاحتلال التركي ومرتزقته، أسفرت عن عشرات القتلى بين صفوف الجيش التركي وتدمير مواقع ونقاط عسكرية تركية داخل الأراضي السورية سواء في عفرين أو في إدلب أو على طول الشريط الحدودي المساير لمنطقة الجزيرة السورية التي كانت في السنوات الأربعة الأخيرة مسرحاً للعديد من الاعتداءات التركية تارة باسم “درع الفرات” آب 2016، وتارة باسم “غصن الزيتون” كانون الثاني 2018، وتارة باسم “نبع السلام” تشرين أول 2019 وما إلى ذلك من تسميات مضللة، حيث كان يهدف النظام التركي من وراء اعتداءاته العسكرية – وما يزال- إنشاء ما يسميه “منطقة آمنة” على طول الحدود السورية – التركية كما يدعي من أجل ملئها بالمرتزقة والإرهابيين الذين يعملون تحت إمرته بعد إفراغها من سكانها الأصليين وتهجيرهم في تغيير ديموغرافي يخدم الأطماع التوسعية لأردوغان الذي يحلم باستعادة ميراث السلطنة العثمانية البائدة.
خلال المواجهات المباشرة مع القوات التركية الغازية ألحق الجيش العربي السوري خسائر كبيرة بالمحتل ومرتزقته، ففي العام 2012 أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة تركية من طراز اف 4 انتهكت الأجواء السورية من جهة لواء اسكندرون المحتل دون إذن مسبق، ويبدو أنها كانت في مهمة عسكرية لخدمة الإرهابيين الذي بدؤوا بعملياتهم الإرهابية في منطقة إدلب وما حولها تحت عنوان “الجيش الحر”، وخلال ما يسمى عملية “غصن الزيتون” التي كان هدف النظام التركي منها احتلال عفرين وبعض مناطق شمال حلب، وقدم الجيش العربي السوري كل المؤازرة والدعم للمدافعين عن المدينة لمنع احتلالها، حيث سقط عشرات القتلى في صفوف الجيش التركي ومرتزقته، وتم تدمير الكثير من آلياته العسكرية ومسيراته، ولعل المنطقة التي شهدت المواجهات الأقسى بين الجيش العربي السوري وقوات الاحتلال التركي هي محافظة إدلب ما بين عامي 2018 و2020 حيث قتل ما لا يقل عن 33 جندياً تركياً في ضربة واحدة في 28 شباط 2020، كما قتل أكثر من عشرين جندياً تركياً آخرين في إدلب قبل ذلك في اشتباكات مع الجماعات الإرهابية في المحافظة، وتم حصار وطرد العديد من نقاط المراقبة التركية في ريف إدلب بعد ثبوت تواطئها مع الإرهابيين وتورطها بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لهم لارتكاب مجازرهم واعتداءاتهم اليومية خلافاً لاتفاقات خفض التصعيد ونزع السلاح من أيدي الإرهابيين بالتفاهم مع روسيا، وهو ما دفع برأس النظام التركي لزيارة موسكو في الخامس من آذار عام 2020، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق نار وإقامة ممر الأمني وتسيير الدوريات المشتركة على الطريق الدولي بين اللاذقية وحلب.
يؤكد السيد الرئيس بشار الأسد دائماً على أولوية تحرير الأرض من كل المحتلين سواء كانوا أتراك أو إسرائيليين أو أميركيين، فسورية كما قال سيادته في المقابلة مع قناة روسيا اليوم “ستقاوم أي غزو تركي لأراضيها” مضيفاً أنه “عندما تسمح الظروف العسكرية للمواجهة المباشرة سنفعل هذا الشيء.. فمنذ عامين ونصف العام حصل صدام بين الجيش السوري والتركي، وتمكن الجيش السوري من تدمير بعض الأهداف التركية التي دخلت إلى الأراضي السورية.. سيكون الوضع نفسه بحسب ما تسمح الإمكانيات العسكرية.. عدا عن ذلك سيكون هناك مقاومة شعبية”.