فؤاد الوادي:
يخطئ كثيراً من يعتقد أن الجيش العربي السوري غير قادر بعد حرب لا تزال متواصلة منذ إحدى عشر عاماً على مواجهة أي من أطراف العدوان والحرب، التي لا تزال تحاول دفعه إلى المكان والزمان الخاطئين لاتخاذ قرار حرب أو مواجهة مباشرة قد خطط لها في مراكز الاستخبارات والدراسات العسكرية والاستراتيجية الأميركية والغربية والإسرائيلية، وهيئت لها كل الظروف والإمكانات التي تحاكي التوقيت الاستثنائي الذي يمر به العالم من جهة، والذي تمر به الولايات المتحدة وحلفاؤها بشكل خاص من جهة أخرى، حيث التصدع والانهيار بدا واضحاً على تلك المنظومة الاستعمارية الكبرى، والتي هي أحوج ما تكون إلى فوضى شاملة وحروب عبثية تخرجها من مأزقها، وترجع معها عقارب الساعة إلى ما قبل العملية الروسية في أوكرانيا التي أعادت التوازن إلى النظام الدولي بشكل عام.
انطلاقاً من هذه الحقيقة، حقيقة قدرة الجيش العربي السوري على المواجهة والتصدي لكل الأعداء، جاء كلام السيد الرئيس بشار الأسد لقناة روسيا اليوم، عندما أكد أن الجيش العربي السوري سيواجه الغزو التركي عندما تسمح الظروف والإمكانيات العسكرية للمواجهة المباشرة، وهذا الكلام بقدر ما هو دقيق في توصيف ردة الفعل السورية على أي عمل أو تصعيد عسكري تركي أو غير تركي، بقدر ما هو حاسم في رسائله وأبعاده، لجهة أن الدولة السورية بجيشها الباسل الذي تصدى لإرهاب موجه ومدعوم من ثلثي دول العالم على أرضه طيلة عقد من الزمن، ستتصدى لأي غزو يستهدف أراضيها ووحدة شعبها، لكن في الزمان والظروف التي تصنعها وتختارها هي، وفي التوقيت الذي يختاره ويحدده الجيش العربي السوري وبما يحقق كل الأهداف والغايات والنصر المؤزر، بعيداً عن الانفعالات وردود الفعل التي قد تأخذ بعيداً نحو ما يطمح به العدو ويسعى جاهداً لتحقيقه.
لطالما كانت السياسة السورية بعيدة كل البعد عن مقاربة أي حدث من الخارج، لأن الصورة ضمن هذا الإطار أو هذا المنهج أو هذا الفهم، سوف تبدو مشوشة ويعلوها الغباش، وردات الفعل كذلك تكون متسرعة وتدفع باتخاذ قرارات خاطئة قد يكون ثمنها باهظاً.
لذلك من الطبيعي أن يتم التعاطي مع كل التطورات والمتغيرات، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد عواصف وتيارات قوية ومتنقلة، بكثير من الحكمة والموضوعية، وهذا لا يكون إلا من خلال الولوج إلى عمق المشهد ومحاولة ربط الأحداث والتحولات ببعضها البعض، ليس على الصعيد المحلي، فقط بل على الصعيد الإقليمي والدولي أيضاً، حتى تكون المقاربة صحيحة وبما يضبط ردات الفعل السطحية والمتسرعة، وصولاً نحو اتخاذ قرارات عقلانية واستراتيجية يصبح فيها الهدوء وضبط النفس والصبر هو سيد الموقف، لاسيما إذا كانت الأطراف الأخرى تحاول دفعك أو توريطك بمواجهة مباشرة غير محسوبة وفي التوقيت الذي تختاره أو تريده هي، على عكس ما تريد وتخطط، وبهذا تتحول ردة الفعل الهادئة إلى صفعة وصدمة قاسية لهم تكون بمثابة هزيمة، ولنا بمثابة انتصار جديد.
دمشق بقيادتها الحكيمة والشجاعة والاستثنائية في قراءة الظرف واللحظة بمنتهى السداد والحصافة والوعي الاستراتيجي، قادرة على تحديد الزمان وتهيئة الظروف المناسبة والمواتية التي تتصدى لكل محاولات تقسيمها واحتلال جزء من أراضيها على نحو يحاكي انتصاراتها على منظومة الإرهاب طيلة السنوات الماضية، والتي علَّمت العالم من خلالها كيف تصنع الانتصارات والقرارات الاستراتيجية ضمن بوتقة الإعجاز الذي تتفرد فيه سورية بشعبها وتاريخها وهويتها وانتمائها.