الثورة – هفاف ميهوب:
يرى الفيلسوف الوجودي الفرنسي “جان بول سارتر” بأن الإنسان مسؤولٌ عن وجوده ومصيره، وبأن أمامه فرصٌ لا متناهية لاختيار مساره.. ذلك أنه “لا يوجد مسار موصوف يهدي الإنسان إلى خلاصه، بل يجب عليه اختراع مساره دائماً، وأن يخترع مساره.. معناه أنه حرٌّ ومسؤول، ولا أعذار له في هذا، فكلّ أمل يكمن بداخله”..
إذاً، حمّل “سارتر” الإنسان مسؤولية وجوده.. لكن، بأخلاق تمكّنه من اختيار هذا الوجود، وبالطريقة التي يجدها تضفي على عالمه المعنى الذي يختاره..
أيضاً، رأى الفيلسوف والروائي الفرنسي العبثي “ألبير كامو”، بأنه لا معنى للحياة، وبالتالي لا جدوى من كلّ ما يفعله الإنسان فيها لطالما، نهاية البشر إلى العدم..
إنه ما جعله يشبّه معاناة الإنسان بمعاناة “سيزيف”.. الشخص الأسطوري في المعتقدات الإغريقية، والذي يقال بأنه أغضب الإله الأكبر “زيوس”، فعاقبه بأن فرض عليه رفع صخرة كبيرة حتى قمة أحد الجبال، والعودة إلى رفعها كلّما تدحرجت إلى الأسفل..
يشير “كامو” هنا، بأن سبيل الإنسان للتخلّص من هذا العقاب المؤلم، الانتحار أو التحدي والتمرّد على المألوف، وهو ما فعله إنسانه الذي واجه مصيره ببطولة، دون أن يبالي بالنهاية، حتى وإن قادته إلى الجحيم..
أما المفهوم الذي يعتبر الأكثر جدلاً حول الإنسان، فهو مفهوم فيلسوف العدم الألماني “نيتشه” الذي كان الإنسان لديه، إما عادي ينساق مع القطيع، أو “سوبرمان” يمتلك الإرادة والشجاعة والسيطرة…
إنه كما أسماه أيضاً “الإنسان الأعلى”.. يحتقر القطيع ويسمو عن الإنسان العادي، مثلما يخضع المصاعب والآلام التي تواجهه، بالقوة والصلابة والحكمة:
“لقد سلكتم الطّريق الطّويلة من الدودة إلى الإنسان، لكنكم ما زلتم تحملون الكثير من الدودة في داخلكم. كنتم قردة ذات يوم، وإلى الأن ما يزال الإنسان أكثر قرديّة من أيّ قرد..
انظروا.. إنّي أعلّمكم الإنسان الأعلى.. فلتكن إرادتكم: ليكن الإنسان الأعلى هو معنى الأرض!.. إنّه تلك الصاعقة، إنّه ذلك الجنون”..
اليوم، وبعد مفاهيم ورؤى أدبية وفلسفية عديدة ومختلفة في نظرتها لماهيّة الإنسان، نرى الكاتب والأديب البرازيلي “باولو كويللو” يدعوه للـ “الخبرة”ّ، تلك التي لا تجعل الهزائم التي تتوالى عليه سبباً في نظرته القلقة إلى المستقبل، وخطواته غير الشجاعة في اتّخاذ القرارات، بل التي يعي بها آلامه جيداً، دون أن تفقده الحماسة والأمل بالانتصارات. أي أن يكون أشبه بفارسٍ أو خيميائي.. “فارس النور” الذي لا يفقد رؤيته بسبب معاناته”، والخيميائي الذي “يحتوي في داخله الكون بأكمله، وبالتالي هو مسؤول عن بقائه سليماً..”.
السابق