الثورة – رشا سلوم:
تشكل المخطوطات كنزاً حقيقياً للباحثين والمتابعين, ولاسيما في مجال التراث الأدبي والفكري, وحتى العلمي, وكم من مخطوطة غيرت واقعاً علمياً وفكرياً وقومت المسار’ من هنا كانت أهميتها وغلاء ثمنها الذي لا يقدر, ومن المعروف أن المخطوطات متناثرة في الكثير من مكتبات ومتاحف العالم, ويعمل الكثيرون على جمعها واقتنائها, والاعتزاز أنهم يملكون هذه المخطوطة أو تلك, ونحن في سورية نعتز أننا نحتفي بالمخطوطة احتفاظاً وتحقيقاً وصوناً لها, في مكتبة الأسد الوطنية والمكتبة الظاهرية ومجمع اللغة العربية, وغيرها من المؤسسات الثقافية المهمة.
وحسب الكثير من الدراسات تعرف المخطوطة
(أنها مؤلفات العلماء ومصنفاتهم، وهي لفظة محدثة بعد حدوث الطباعة، لهذا لا تجد ذكرًا لهذه الكلمة (المخطوط) أو (المخطوطات) في كلام المتقدمين، وإنما حدثت هذه اللفظة بعد دخول الطباعة، فأصبحت الكتب قسمين: مخطوطات، ومطبوعات. فما كان منها مكتوبًا بخط اليد سُمي مخطوطًا، وما طُبع منها سُمي مطبوعًا، تمييزًا له عن الأول. وقد اختلف أهلُ الفن في تعريف (المخطوط) بعد حدوث هذه اللفظة، فقال بعضهم: (ما كتب بخط اليد قبل دخول الطباعة)، وقيل غير ذلك.
والتعريف المذكور غير دقيق، والقيد المذكور فيه أيضًا – وهو قولهم: (قبل دخول الطباعة)- قيد غير منضبط! فإن أرادوا بقولهم (قبل دخول الطباعة) قبل دخولها مطلقًا: فالطباعة قد دخلت منذ نحو خمسمئة عام! وعلى هذا: تخرج آلاف المخطوطات المنسوخة والمكتوبة بعد ذلك التاريخ! وهو غير مُسلَّم ولا مراد. بل إن بعض أنواع الطباعة -وهو الطباعة على الألواح- قد كان في الصين قبل نحو ألف سنة! وإن أرادوا بقولهم ذلك: قبل دخولها في الدول العربية: فهذا غير مسلَّم كذلك، ولا منضبط. فدخول الطباعة في الدول العربية والإسلامية متفاوت تفاوتًا كبيرًا! فالطباعة في بعضها منذ نحو مئتي سنة، وبعضها لم تدخله الطباعة حتى اليوم! كما أن هذا القيد -إضافة إلى اضطرابه- لا فائدة تحته! فلماذا يتمسك به؟!
لهذا فالحفاظ عليها متعين، وهو واجب على المؤسسات الفكرية والمكتبات التي تعنى بهذا الشأن.
فلو نظرت إلى عدد عناوين المطبوعات التراثية -أعني الكتب التي طبعت عن مخطوطات- لوجدتها قليلة، حتى لا تكاد تمثل نسبة مئوية يسيرة بجانب أعداد المخطوطات. وما يملأ عين الناظر من المطبوعات اليوم: هو طبعات مكررة كثيرة لعناوين محدودة، فالعنوان الواحد يطبع مئة مرة. وربما أكثر.
حتى هذه المطبوعات التراثية -مع قلة عددها موازنة بحجم المخطوطات- لا تكاد تسلم من أمر يكدر تمام الاستفادة منها؛ فبعضها طبع طبعة كثيرة التحريف والتصحيف والأخطاء، عن نسخة خطية سيئة، أو كان سبب ذلك سوء المحقق، وضعفه العلمي. وبعضها طبع طبعة جيدة، غير أنها نافدة، لا تكاد توجد إلاَّ بنوع من المشقة.)
صونها..
من تجربة مكتبة الأسد المهمة في صون وحفظ المخطوطات كان الكتاب الالكتروني الذي صدر حديثاً وحمل عنوان (المخطوطات… أساليب حفظها وترميمها “دراسة عمليّة”)، إشراف: إياد مرشد. المادة العلميّة: نعمت سري، ريما صندوق. التوثيق والتدقيق اللغوي: هبة المالح. المتابعة والتنسيق الفني: م. سليم سلام، إيمان الفاعوري.
يُعدّ هذا الكتاب تتويجاً لخبرة عمل، ومسيرة حافلة بالعطاء للعاملين في مجال ترميم المخطوطات في مكتبة الأسد الوطنية الذين تمتعوا بمهارات، وخبرات فائقة، ودُربة، وصبر، وحسٍّ عالٍ، وأمانة علمية، وعملوا على الحفاظ على إرث الأجداد الذين بذلوا فيه العيون والمُقل؛ وذلك ليقتفي أثرهم الجيلُ الجديد.
إن عملهم هذا لجدير بالتقدير؛ لأنهم حافظوا على مقتنيات مكتبة الأسد الوطنية من مخطوطات ووثائق وكتب، ويا لها من حكمة عظيمة رددها المهتمون بالتراث: (من أحيا مخطوطة فكأنما أحيا موءودة)
كتاب (المخطوطات… أساليب حفظها وترميمها “دراسة عمليّة”)، إشراف: إياد مرشد. المادة العلميّة: نعمت سري، ريما صندوق. التوثيق والتدقيق اللغوي: هبة المالح. المتابعة والتنسيق الفني: م. سليم سلام، إيمان الفاعوري، صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2022.
لقراءة الكتاب كاملاً يمكنكم الدخول إلى موقع الهيئة العامة السورية للكتاب/الكتاب الإلكتروني عبر الرابطين التاليين:
http://syrbook.gov.sy/archives/4887