الثورة – لميس علي:
إنسانُ اليوم ذو بُعدٍ واحد، على رأي هاربرت ماركيوز..
هو البعد المادي، الذي يطغى عليه ويبقيه ساكناً في صندوق “ذاته”..
ألا يحدث أن يكون لهذا البعد تشعبات أو تفرعات.. مهما عادت إلى أصلها (المادي)..؟!
بُعد واحد نسجن أنفسنا ضمنه عن غير وعي.. ما يجعلنا منشغلين وتائهين عن أصل ذواتنا.. غير مدركين لحقيقة وجود تمظهرات أخرى أكثر إشراقاً لوجودنا غير ذاك المادي منها.
وفيما اعتاد أي منا إدراج نفسه ضمن بُعدِها (الواحد)..
كيف يمكن ضبط إيقاعها مع إيقاع سواها..؟
وما الصيغة الأكثر فاعلية لإحراز تناغمٍ بين إيقاعات متعدّدة..؟
تقتضي الحالة وتحتاج تدريباً وخبرةً في كيفية انتشال أفضل النتائج تحصيلاً لإيقاع مختلط، وربما هجين..
لكن قادر على شدّ الأسماع إليه.
للحظة.. وبعد حين من زمن اعتيادك على سماع صوت وجودك حبيساً في (صندوق ذاتك).. لاهياً وشاغلاً نفسك في استقصاء كل “إنش” من ذاك البُعد المادي الذي تحدث عنه ماركيوز، سيبدو غريباً وربما صعباً أن تلتقط أو أن تنشد لإيقاع (آخر)..
بالأصل هل ستكون قادراً على لحظ ليس إيقاع الآخر.. بل وجوده هو بحدّ ذاته..؟
البعض وصف إعلام الزمن الحالي بفاشية العصر الحديث وغالباً كان يقصد منصات التواصل التي تدّعي سمة الاجتماعي.. مقترنةً بنوعٍ متسارع من التطور التقني..
ويبدو أن هذا النوع من التقنيات في التواصل لم يكن غائباً عن ذهن إدغار موران، حين وصف التقنية بقوله: (الهمجية الباردة الصقيع)..
الذوبان في اللاحدود واللاضوابط ضمن عالم (الافتراض).. طغيان وانتشار هذا النوع من أشكال التواصل حدّ الهوس يعيد ابتكار صور متكررة من “ذات” أو “أنا” أي منا..
لدرجة تنفصل أي حدود واقعية بين كينونتنا الحياتية الحقيقية وتلك التي نبدع في ابتكارها على منصات السوشال ميديا..
فما هو الواقع من كل هذا المدّ الكاسح لهذا النوع من التواجد أو الوجود أو الحضور وربما التظاهر الافتراضي..
ما هو الحقيقي.. الخيالي..
والوهمي.. الواقعي.. والافتراضي.. ضمن تفاصيل ما نحياه من تقنيات لاحدّ لها..؟
هل ساعدتنا أساليب التواصل الحديثة على التحرر من الصندوق الذاتي لأي منا أم زادته انغلاقاً..؟
كأن كل التقنيات مع تمدّدها اللامحدود زادت حجم الصقيع الآدمي والبرودة الإنسانية..
وبالتالي أصبحنا لاشعورياً نضاعف من حضور نسخ معدّلة من ذواتنا.. منقحة.. وربما مُنمّقة.. وحتى تقليدية..
ألا نساهم، بذلك، بتقزيم ذواتنا الأصلية..؟
ذوات أصبحت تائهة عن التقاط نفسها.. فأضاعت إيقاعها الخاص..
كيف يمكن لها تحصيل تقاطع مع إيقاع سواها..؟
التالي