حمل بيان قمة (الناتو) في مدريد نذر حرب واسعة وشاملة تسعى الدول الغربية لإشعالها من البوابة الأوكرانية، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة التي تقود الحلف قد حسمت خياراتها باتجاه مواصلة التصعيد ضد روسيا، وكذلك الصين، وجر العالم بأسره نحو نزاعات وحروب جديدة تهدد أمن البشرية بأسرها.
الدول الأعضاء في الحلف أغلقوا أبواب الحوار والدبلوماسية مع روسيا، وقرروا مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا، وزعموا أن روسيا هي (التهديد الأكبر والمباشر) لأمن الحلفاء، واعتبروا أيضاً أن تعميق الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين يشكل تحديا (لقيم ومصالح الحلف)، وأكدوا سعيهم لنشر قوات عسكرية إضافية متأهبة للقتال على الحدود الشرقية للحلف، وكل ذلك يعني بأن المهمة الرئيسية للحلف باتت تتمثل فقط بمحاربة روسيا والصين لاحتواء نفوذهما المتصاعد على الساحة الدولية.
خلافاً لبيان قمة الناتو، فإن سياسات الحلف التوسعية هي من تشكل الخطر الأكبر والمباشر، ليس على أمن روسيا فحسب، وإنما على أمن واستقرار البشرية أجمع، وكذلك فإن تعميق الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين سيعود بالنفع على السلام العالمي، ولاسيما أن الحلف الأطلسي لا يمتلك في الأصل لأي قيم أو معايير أخلاقية تحكم مسار العلاقات الدولية، ومصالحه تكمن دائماً في التوسع والهيمنة والعبث بأمن الآخرين، والفرق هنا واضح بين سياسة الولايات المتحدة وحلفها الأطلسي من جهة، وبين سياسة روسيا والصين من جهة ثانية، إذ يلهث الحلف للحفاظ على سياسة الهيمنة الأميركية الأحادية والتفرد بالقرار الدولي، وفرض قواعد خاصة للنظام العالمي وفق مفهوم قانون شريعة الغاب بينما تنطلق كل من روسيا والصين من مبدأ ضرورة التمسك بقواعد القانون الدولي، والميثاق الأممي للحفاظ على عالم متوازن، تسوده الحرية والعدالة، والاحترام المتبادل بين الدول.
لهجة الحرب التي تحدث بها زعماء (الناتو) خلال قمتهم في مدريد، تعكس في الدرجة الأولى خيباتهم وعجزهم عن فرض مشيئتهم على روسيا من خلال ضخ قوافل الأسلحة لنظام كييف، وفرض المزيد من العقوبات، والتي كانت ارتداداتها العكسية واضحة على اقتصادات الدول الأوروبية، وحتى على الاقتصاد الأميركي نفسه، وكل ما خرج به المجتمعون يثبت مجدداً أن مهمة (الناتو) ستبقى على الدوام نشر الفوضى والحروب في العالم، الأمر الذي يتطلب تضافر جهود كل الدول المحبة للسلام، للتصدي بحزم لسياسات الغرب الاستعمارية.