في كل مرة يغادر فيها رئيس أمريكي بيته (البيضاوي) يجلس طاقم السياسة الخارجية الأمريكية ليفكر ملياً في سياستهم في مرحلة ما بعد الرئيس المنتهية صلاحيته، لأنه بكل وضوح يكون قد زاد من فشل هذه السياسة المختلة أصلاً، قولاً وعملاً على كافة الأصعدة خصوصاً على صعيد تعزيز الديمقراطيات المفترضة والمزعومة هنا وهناك في عالمنا الذي كره سياستهم وألعابهم البهلوانية الخطرة.
ما يسمى (تعزيز الدعم الأميركي للديمقراطية) في العالم، كذبة كبرى فضحت ادعاءات الولايات المتحدة كفاعل مؤيد للديمقراطية في العالم، وأوهن شرعية مفهوم (دعم الديمقراطية) من أساسه، بسبب عبث أمريكا بهذا المفهوم.
سياسات أمريكا تحت هذا الشعار الفضفاض خلطت الحابل بالنابل، ودمرت دولاً كحال العراق، الذي لم يخرج حتى هذه اللحظة من تبعات اجتياح جنود يزعمون السعي لـ (تعزيز الديمقراطيات)، حيث أثمر هذا التعزيز عن قتل الشعب العراقي بأبشع الطرق تحت ستار نشر العدالة واجتثاث الإرهاب وتغيير الأنظمة.
واشنطن سعت وتسعى من وراء كل ذلك لدور قيادي وحيد القطب وسلطوي وتدخلي في الشؤون العالمية، لكن العالم بات اليوم منفتحاً على احتمالات كثيرة أغلبها لا يرضي الولايات المتحدة، وهو ما شددت عليه موسكو على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف الذي صدم واشنطن بحقيقة أن العالم يشهد ظهور تكوين جديد للديمقراطيات والأمن على أنقاض النموذج القديم، ولن تكون هناك عودة إلى الماضي، وهذا الكلام وجد الطريق سريعاً لمسامع الخارجية الأمريكية، التي تستمر في تسويق الأكاذيب حول ديمقراطياتها وعالمها الوردي الذي يتسع للجميع حسب أهوائها، وبالطبع هو يتسع للجميع، لكن حسب التفصيل والقياس الذي تحدده واشنطن لكل من يريد الدخول في عالمها السلطوي والاستسلامي.
أمريكا تطلب صراحة ممن يريدون الدخول في عالمها أن يهزموا أنفسهم بسيفها ثم يلجون تحت عباءتها، وهذا الوضع لا يروق للمتحصنين بسيادتهم وقرارهم الحر، والمفكرين بعين الصواب فيما يحصل، فليس كل التغيرات التي تجري حالياً عقلانية وضرورية وبعضها إن لم يكن معظمها ضاراً بكل بساطة، خصوصاً ما يصدر عن الغرب الانتهازي الذي تقوده واشنطن.
كل من يناهضون أفكار وسياسات واشنطن التخريبية يعملون جاهدين لتشكيل عالم أكثر ديمقراطية وعدالة ومتعدد الأقطاب في العالم تضمن فيه حقوق جميع الشعوب ويتم فيه الحفاظ على التنوع الثقافي والحضاري للبشرية، وهذا نقيض ما تسعى إليه واشنطن وجوقة الغرب الاستعماري بفكرهم الجديد والقديم.
أمريكا ومن يختبئون تحت قناعها ينتهكون حرمة القانون أي انتهاك، ويعاقبون دولاً بظلم غير مسبوق ويدمرون أي جسور للحوار والسلام، وقيادتهم لدفة المشهد العالمي أمر خطير جداً، ويجب إقصاؤهم عن قيادة الساحة العالمية بأسرع وقت، وهذا أمر وشرط لازم لبناء نظام عالمي حقيقي وديمقراطي متعدد الأقطاب والأفكار، وقائم على التعاون بين الدول بعيداً عن الهاوية التي تقود إليها سياسات الغرب في الهيمنة والتسلط والكذب والنفاق في العلاقات الدولية.