الثورة-أديب مخزوم:
أعلنت وزارة الثقافة أسماء الفائزين بجائزة تقدير الدولة لعام 2022 ، حيث ذهبت إلى الفنان محمد غنوم في مجال الفن التشكيلي، والى المسرحي فرحان بلبل ، والناقد والمترجم فايز الداية.
بدأ محمد غنوم حياته الفنية برسم الأحياء القديمة والطبيعة الصامتة والبورتريه بطريقة واقعية ، مستخدماً كل أنواع التقنيات من زيتي ومائي وباستيل وخشب وأكريليك ، ولم ينقطع في تلك المرحلة عن استعادة جماليات الخط العربي في لوحاته، الذي أدهشه منذ البداية بكل ما يحمله من خصوصيات جمالية خاصة ومتفردة .
ولقد ساهم بدور إيجابي ( منذ مطلع السبعينات ) في إعادة الاعتبار لجمالية الكتابة العربية، وكان بذلك أحد أوائل الفنانين السوريين والعرب ،الذين عملوا على ربط الاتجاهات الحديثة بالتراث وبتنويعات الذاتية الثقافية، لاسيما وان تجربته انطلقت ، منذ البداية ، من دراسة لجميع أنواع الخطوط العربية ، وبنيت على دراسة أكاديمية ، وبحث متعمق في جذور فن الخط العربي ، الذي يحمل خصائص حضارية مستمرة ومتواصلة في كل الأزمنة والأمكنة العربية .
وسعى في لوحاته الحروفية، في مراحل سابقة ، لإظهار المزيد من الانسجام والتوافق بين إيقاعات الحروف والزخرفة العربية، وبين الرزانة والإنسيابية ، ثم بدأت تغيب عن لوحاته البنى الزخرفية ، وتحولت الحركات الخطية في لوحاته ، إلى صياغات بصرية تفيض بالحروف والكلمات والجمل المتتابعة والمتداخلة كأنغام موسيقية، تمتد بين حركة الحروف والكلمات ، في خطوات البحث عن العمق الجمالي والتشكيلي والإيقاعي والذاتي. و لقد سجل حروفياته السابقة في لوحات زيتية وقعت بين التجريد الهندسي الزخرفي والحروفي ( معرضه في صالة الشعب في نهاية السبعينات ) ثم ما لبث أن تحوّل نحو تجليات جديدة ، على الصعيدين التكويني والتلويني، مؤكداً مسعاه الدائم والمتواصل في استلهام جمالية الخطوط العربية برؤية حديثة، تعمل على تصعيد حوارية المشهد البصري، وتركز على إبراز رشاقة الحرف وغنى حركته وانسيابيته، محققا حرية وعفوية في تشكيل الحروف والكلمات ، ومع ذلك فهو يعمل خلال تنقلاته وتحولاته ، لإيجاد المزيد من الموازنة والمواءمة ، بين الاندفاعات العاطفية والرقابة العقلانية، رغم كل ما يبرزه من تحرر ، في حركة الخطوط ، من تلك السلطة الهندسية المعتمدة ضمن بعض عناصر اللوحة، وهو في كل الحالات ، يعمل لتحويل الحروف إلى دلالات جمالية خالصة تتكرر وتتنوع من لوحة إلى أخرى .
هكذا استطاع وخلال تجربة طويلة أن يكشف عن غنى حركة الحروف العربية وقدرتها على التواصل مع تطلعات الحداثة التشكيلية، بعيداً عن مأثورات التقاليد المألوفة في صياغة الكلمة والحرف ، ذاهبا إلى ترجمة مشاعره وأحاسيسه الخاصة وتوجهه الجمالي الخارج على النظام الهندسي، وبالتالي فكل شيء في لوحاته يأتي بشكل عفوي، التكوين والإيقاع الحروفي والاسترسال العاطفي والوجداني، حيث يداخل ما بين الجمل والكلمات والحروف بكثير من التدفق الحيوي، ومحققا لوحة عربية حديثة، قائمة على دراسة أكاديمية متأنية لقواعد الخط العربي، بتنويعاته المختلفة: المتدرجة من فروع شجرة الخط الكوفي وأنواعه ، إلى الأساليب اللينة وما تحمله من خطوط مثل (النسخي، الرقعي، التعليق، الثلث، الديواني) وبذلك فهو يبتعد كل البعد عن منزلقات الوقوع في هاوية التشكيل الحروفي العبثي ، القائم على طروحات تنظيرية ،لا علاقة لها بثقافة الخط العربي وبقواعده الاتباعية المتوارثة منذ قرون .
محمد غنوم من مواليد دمشق العام 1949،درس الفن في محترفات كلية الفنون الجميلة ( من خريجي عام 1976) وحاز على درجة الدكتوراه في علوم الفن ـ طشقند (أوزبكستان ) عام 1992. ولقد أقام أكثر من 20 معرضا فرديا في سورية ، و13 معرضا فرديا في عواصم ومدن عربية ، و29 معرضا في عواصم ومدن عالمية ، كما شارك في عدة بيناليات عربية ودولية ، وعدد كبير من المعارض الجماعية والمشتركة ، ودخلت بعض لوحاته في عدد من المتاحف داخل سورية وخارجها ، وحاز على جوائز عربية ودولية ( من ضمنها جائزة الشراع الذهبي بمعرض الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية السابع، والجائزة الأولى في مهرجان الخط في طهران ، والجائزة الأولى في مسابقة الخط والموسيقى في فرنسا) وغيرها ، و تم تكريمه من قبل وزارة الثقافة السورية مرات عديدة، وهو دائم الحضور في المعارض والندوات والإعلام، إضافة لدوره الحيوي والطليعي في التدريس الفني بكلية الفنون الجميلة.