رشا سلوم:
أخطر ما في التاريخ البشري أن يقوم على كذبة ويمضي بها إلى ما لا نهاية ثم تتحول بدورها إلى أن تفرض على الحضارات وتدفع ثمنها الغالي وهي عنصرية كاذبة مقيتة.
أوروبا التي استعمرت الكثير من دول العالم ونهبت خيراتها روجت الكذبة الكبرى أنها محور الكون في الثقافة والتاريخ والطب وكل شيء ..
حتى غدا المثل الشعبي معروفا ( كل فرنجي برنجي ) يطلق على أولئك الذين لا يرون المفيد الا ما يكون من أوروبا.
وفي محطات الحديث عن المركزية الأوروبية يمكن القول :
تم استخدام مركزية أوروبا، في سياقات مختلفة، منذ عشرينيات القرن العشرين على الأقل. المصطلح كان شعبي المدى (باللغة الفرنسية كeuropéocentrique) في سياق تصفية الاستعمار والأممية في منتصف القرن 20. كان الاستخدام الإنجليزي للمركزية الأوروبية كمصطلح ايديولوجي في سياسة الهوية الحالية في منتصف الثمانينات.و اسم الخلاصة التي صيغت المركزية الأوروبية ، وعبارة عن أيديولوجية في من قبل الاقتصادي الماركسي المصري سمير أمين، ثم مدير المعهد الأفريقي للتنمية الاقتصادية والتخطيط للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا. استخدم أمين هذا المصطلح في سياق نموذج عالمي، أو محيط مركزي، أو تبعية للتطور الرأسمالي. يتم تسجيل استخدام اللغة الإنجليزية في عام 1979.
الاستثنائية الأوروبية:
خلال الحقبة الاستعمارية الأوروبية، سعت الموسوعات في كثير من الأحيان إلى إعطاء مبررات لهيمنة الحكم الأوروبي خلال الفترة الاستعمارية بالإشارة إلى موقف خاص اتخذته أوروبا مقارنة بالقارات الأخرى.
وهكذا، كتب يوهان هاينريش زيدلر، في عام 1741، أنه «على الرغم من أن أوروبا هي أصغر القارات الأربعة في العالم، إلا أنها لأسباب مختلفة موقف يضعها قبل كل الآخرين…. سكانها لديهم عادات ممتازة، فهم مهذبون ومثقفون في كل من العلوم والحرف.»
وهكذا نشأت الاستثنائية الأوروبية من التباعد الكبير في الفترة الحديثة المبكرة، بسبب الآثار المشتركة للثورة العلمية، والثورة التجارية، وصعود الإمبراطوريات الاستعمارية، والثورة الصناعية، وموجة الاستعمار الأوروبية الثانية.
وينعكس الاستثنائي الأوروبي على نطاق واسع في أنواع الأدب الشعبية، وخاصة الأدب الخاص بالشباب (على سبيل المثال، كيم روديارد كيبلينج) والأدب المغامرة بشكل عام. لقد تم تحليل تصوير الاستعمار الأوروبي في مثل هذه الأدبيات من حيث المركزية الأوروبية في الماضي، مثل تقديم أبطال غربية ذكوريين مثاليين ومبالغين في الغالب، والذين احتلوا شعوبا «متوحشة» في «الأماكن المظلمة» المتبقية من العالم.
نقض النظرية
الباحث والمؤرخ السوري أحمد يوسف داود كان اول من عمل على تفنيد هذه الكذبة الكبرى منذ عقود من الزمن وبالأدلة الفكرية والتاريخية والحضارية نقض هذه النظرية العنصرية ..
وها هو اليوم يصدر كتابا مهما يقدم فيه الكثير
من الحقائق فقد صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب
وضمن سلسلة “آفاق ثقافية” الكتاب الشهري (قراءة في تاريخ البشرية لـ “آرنولد توينبي”)، تأليف: أحمد يوسف داؤد.
يقول داود:
لا يمكن الوثوق بأن العلامة في تاريخ آرنولد توينبي هو في هذا الكتاب أكثر من “مسوق فاشل” لنظرية المركزية الأوروبية، أو تمركز أوروبا على ذاتها، في صياغة تاريخ للغرب الإمبريالي – من موقعه كأنجليكاني – إذ يكاد لا يعترف إلا بما جرى اختراعه من تسميات عرقية أولها وأهمها، ما اصطلح على تسميته باسم “العرق الآري”، ومن حصر لدور ما سمي باسم “العرق السامي” – نسبة إلى “سام بن نوح” باليهود وحدهم. الذين يوهم قارئه بأنهم وحدهم “صُنّاع حضارة المشرق العربي”!. وقد رد ادعاءاته أو بعضها باحثون من أمثال هنري فرانكفورت، وبيير روسي وسواهما.
هذا الكتاب قراءة مدققة لتمحُّلاته في كتاب من أهم كتبه (تاريخ البشرية). آمل أن يجد فيه القارئ فائدة تغني معرفته بما أساء به المتعصبون للمركزية الأوروبية للعرب ودورهم الحضاري الرائد منذ أسسوا الحضارة في مصر وسورية والعراق عقب انهيار العصر الجليدي الأخير.
الكتاب الشهري (قراءة في تاريخ البشرية لـ “آرنولد توينبي”)، تأليف: أحمد يوسف داؤد، يقع في 168صفحة من القطع المتوسط، صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2022.