لم يستغرقها الأمر سوى وجبة أو وجبتين حتى ميزت أن حاستي التذوق والشم لديها أصبحتا في حيز المفقودات.
جرت العادة بعد كل أنفلونزا، بعد أن تتبع حمية، أن تُقبل بكامل شهيتها على مختلف أنواع الأكل.. أما حالياً فشهيتها عالية لكن ما فائدتها بغياب القدرة على التذوق..؟
تسارع بالتقاط أنواع أطعمة مختلفة.. تتذوقها..
لا فائدة.. فلا يوجد أي فرق بين نوع وآخر.. جميعها من دون أي طعم..
ليس لديها القدرة على التمييز بين الأطعمة.. بين مذاقاتها..
لا تفرق بين الحلو.. المالح.. الحامض.. الحار..
لا شيء على الإطلاق.
الآن.. أصبح الأكل بالنسبة لها سدّ حاجة الجوع.. وصولاً للشبع..
وحتى هذه الأخيرة ليست متأكدة منها في حال تنافى الإحساس بالطعم.
للحظات تداخلت لديها الأحاسيس كما الحاجات..
فلا فرق واضحاً بين الإحساس بالجوع أو الإحساس بالشبع في ظل فقدان حالة الإحساس بالطعم.
الأنفلونزا الأخيرة التي عانت منها لأيام لم تسحب منها القدرة على التذوق أو الشم وحسب، بل كأنما شيء آخر تم سحبه منها..
على غفلة من قلبها تسلّل ذلك الشعور الدافق عاطفة منها.. فأصبحت مفرغة منه.
لم تعلم أنه كان يفترض بها أن ترفع معدلات مناعة أحاسيسها ومشاعرها كما مناعة جسدها، التي عملت على رفعها عن سابق القصد، ما هذه الصدفة؟!
تشعر وكما لو أن نوعاً من التناسب سيطر على الوضع.. تقلّ قدرتها على الشم والتذوق وتتقلص بالتالي نسبة وكمية مشاعرها وأحاسيسها تجاهه.
حاسة التذوق لديها كما حاسة الشم لا تعمل.. وكأنما توقف هاتين الحاستين يعني بشكل أو بآخر إعادة برمجة لحواسها..
لا تشعر بأي طعم..
ولا تتذكر رائحة ذلك العطر الذي أحبته ولا حتى مذاق تلك الأطعمة التي تشاركاها معاً.
تلك الأنفلونزا لم تهندس فقط حاستي التذوق والشم..
وكأن وظيفتها كانت شيئاً يشبه “إعادة ضبط المصنع”.. إعادة ضبط أشياء بتواريخ وقناعات جديدة.. ذاكرتها.. أحاسيسها.. مشاعرها.. وحتى دقات قلبها باتت مضبوطة بطريقة مغايرة..
ما عليها أن تفعله الآن أن تبرع باختراع مذاقات جديدة..
أما بالنسبة لمذاقات الحب فهي مؤجلة لموعد غير مسمى..
وستعتبر الحالة بمجملها، نوعاً من التجديد.. نوعاً من إعادة الخلق لمشاعرها وأحاسيسها.. شيئاً ما يشبه “ولادة جديدة”..