الثورة – تحقيق ميساء العلي:
لن ترصد الموازنة العامة للدولة للعام القادم 2023 أي اعتمادات مالية لمشاريع جديدة، بل ستركز على المشاريع الأساسية القائمة والمشاريع الإنتاجية (الزراعية – الحيوانية) بحسب ما أوضحت مديرة الموازنة في وزارة المالية “رانيا التغلبي”، والتي قالت في حديث خاص للثورة: “إن الوزارة تعمل من خلال إعداد موازنة العام 2023 على ترتيب الأولويات من خلال التركيز على المشاريع الأساسية والمشاريع الإنتاجية الزراعية والحيوانية لوضعها بالخدمة والاستفادة من مردودها الاقتصادي، وتخفيض فاتورة الاستيراد”.
مشاريع الربط الشبكي والطاقة الشمسية.. وأضافت أنه وضمن مشروع الموازنة القادمة لن يكون هناك رصد مالي لمشاريع جديدة إلا للمشاريع الاستراتيجية ذات الضرورة القصوى والمردود السريع على المستوى الاقتصادي ولبند الرواتب والأجور.
وأشارت إلى أن إعداد موازنة العام القادم ركزت أيضاً على التخفيف من رصد الاعتمادات المالية لوسائل النقل والمباني الحكومية، والتركيز على مشاريع الأتمتة والربط الشبكي والطاقة الشمسية.
وأفادت التغلبي أنه لاتغيير يذكر بآلية إعداد الموازنة للعام القادم عن الموازنات السابقة، وإنما اختلاف الأولويات لتأمين الاعتمادات اللازمة، مع التركيز على رصد الاعتمادات لدعم الأنشطة الصحية والتعليمية، وتنفيذ مراسيم أي زيادة مرتقبة للرواتب والأجور.
من جهة أخرى يعتقد البعض أن الموازنة العامة للدولة هي هدف بحد ذاته، لكنها من وجهة نظر علمية ليست كذلك على الإطلاق… فهي وسيلة ليست إلا لتكون أداة للتنمية والتخطيط وليس مجرد إيرادات ونفقات.
موازنة قابلة للتطبيق..
تعكف وزارة المالية هذه الأيام على إعداد الموازنة العامة للدولة للعام 2023 بالتنسيق مع كافة الوزارات للوصول إلى أرقام قابلة للتطبيق ضمن خطة الدولة للتنمية وفق الإمكانيات المتاحة والأولويات التي فرضتها الظروف الاقتصادية الراهنة.
ليست شأنا عاماً..
ميزة الموازنة العامة في سورية أنها غير مكشوفة على الرأي العام، بالرغم من أن وزارة المالية تكشف عن أرقام الإيرادات المتوقعة وكذلك عن النفقات، وقد يقول قائل إن الموازنة العامة عندنا ليست شأناً عاماً، وغير متاح فهمها لجميع الناس.
وفي سياق متصل يجري الحديث عن منهجية جديدة لإعداد الموازنة على أساس البرامج والأداء بحسب كلام رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية “محمد برق: والذي بيَّن أن هناك استجابة من قبل وزارة المالية، حيث نقوم حالياً بالتنسيق معها لتشكيل لجان مختصة للبدء بالعمل وفق القطاعات.
الموازنة الوظيفية..
الدكتور “محمد العموري” أستاذ القانون بكلية الحقوق بجامعة دمشق قال فيما يتعلق بمشروع إعداد الموازنة العامة للدولة: تعد الموازنة في سورية موازنة تقليدية أي موازنة البنود والأبواب والأقسام، وهناك موازنة إقليمية ووظيفية واقتصادية وردت في القانون إلا أنها غير مطبقة في القانون المالي الأساسي رقم 54 لعام 2006.
ويتوقع العموري أن تبقى موازنة 2023 “موازنة أزمة”، وفيما يتعلق بالتوجه للمشاريع فإن هذا الأمر يتطلب الانتقال من موازنة البنود والفقرات إلى الموازنة الوظيفية التي تعتمد على وظائف الدولة وليس على التقسيمات الإدارية للدولة، بحيث تتحدد أهم الوظائف والوسائل التي تساعد على البحث وتحقيق الهدف الذي تراه الدولة ضمن خطتها ومن ثم اختيار الوسيلة الأفضل بناء على دراسات جدوى اقتصادية، وتكون هذه المشاريع لمدد طويلة تصل لعشر سنوات بالظروف الاقتصادية العادية لكن بظرف الحصار الاقتصادي للبلد، والذي يكون فيه ضغط بحجم الإنفاق العام نتيجة انخفاض حجم الإيراد العام، وصعوبة تأمين الاحتياجات لابدَّ من دراسة الجدوى الاقتصادية لكل مشروع واختيار الأفضل.”
في كل الأحوال لابد أن تكون تقديرات الموازنة القادمة مبنية على معطيات واقعية وعلى استشراف مستقبلي لأرقام الإيرادات العامة التي يمكن أن تحصلها وزارة المالية وكذلك النفقات العامة التي ينتظر أن تنفقها ضمن قنوات الإنفاق المعهودة للحكومات.
بحاجة لموارد مالية كبيرة..
من جانبه الدكتور “حسن حزوري” أستاذ الاقتصاد في قسم العلوم المالية والمصرفية بجامعة حلب قال: “إن الموازنة العامة للدولة هي أهم وثيقة اقتصادية تملكها الحكومة لكونها توفر معلومات تتعلق بأثر السياسات الحكومية في استخدام الموارد على مستوى التوظيف والنمو الاقتصادي وتوزيع الموارد داخل الاقتصاد، وعادة تستخدم الموازنة العامة لتحقيق أهداف متعددة على رأسها تحقيق نمو اقتصادي مستهدف يفوق التضخم، وتحقيق التشغيل الكامل للقوى العاملة، وفي الحالة السورية تأتي أهمية الموازنة العامة للدولة في تمويل عملية إعادة الإعمار بعد مضي أكثر من أحد عشر عاماً على الحرب العدوانية على سورية، ولذلك نحن بحاجة لموارد مالية كبيرة واستثنائية.
وأضاف في حديثه للثورة أن وضع مشروع الموازنة العامة للدولة عادة تبدأ من شهر حزيران من كل عام، حيث تقوم الجهات العامة بالدولة بتوقع احتياجاتها المالية، وتمر بسلسلة من الخطوات لتصل في النهاية إلى مجلس الشعب الذي يقوم بدراسته ومناقشته بشكل موسع، إضافة للبيان المالي الحكومي الذي ترفقه الحكومة مع مشروع الموازنة.
افتقادها لأهداف قطاعية..
ويُلاحظ بحسب “حزوري” من طرق إعداد الموازنة العامة للسنوات الماضية، افتقادها لوجود الأهداف القطاعية والمؤشرات الكمية الاقتصادية والاجتماعية المستهدفة، كما أن البيان المالي المرفق مع الموازنة العامة للأعوام الماضية لم يُشر إلى أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو يذكرها بشكل واضح وصريح، ولم يحدد معدل النمو الاقتصادي المستهدف أو معدل البطالة، وما هو مستوى التضخم الواجب احتواؤه، كما أن موازنة عام 2022، الحالية، خصصت 85% من اعتماداتها للإنفاق الجاري و15% فقط كاعتمادات للإنفاق الاستثماري، وهذه النسبة المنخفضة غير قادرة على تحقيق أي معدل نمو اقتصادي مهما كان ضعيفاً وغير قادرة على مواجهة التضخم.
إعادة النظر..
لذلك يرى أن المطلوب في الموازنة القادمة التي يحضر لها حالياً، أن تكون موازنة قطاعية، تكون النسبة الكبرى من اعتماداتها مخصصة للانفاق الاستثماري بحيث لاتقل عن 50%، مع تحديد مؤشرات كمية مستهدفة، ولاسيما معدل نمو اقتصادي، وتركز على إعادة إعمار مشاريع البنية التحية، وتحفز قطاعات الاقتصاد الحقيقي (زراعة، صناعة، حرف)، وتعيد النظر في هيكلية التعليم، ليؤمن مخرجات تتوافق وحاجات سوق العمل الفعلية، مع إعادة النظر في طرق تمويل الموازنة، بما يحقق عدالة التكليف الضريبي، ورفع كفاءة الإنفاق العام، ليحقق الهدف المنشود من رصد الاعتمادات، من خلال تخفيف الهدر ومكافحة الفساد، وأن تستخدم الإيرادات الناتجة عن بيع سندات الخزينة في تمويل مشاريع استثمارية حقيقية وليس في الانفاق الجاري.
أخيراً..
لابدَّ أن يكون إعداد الموازنة واقعياً وعادلاً في تقسيم قطاعات الانفاق بحيث يمكن للمواطن البسيط أن يتلمس أثرها على حياته الخاصة أي أن تكون قريبة في آثارها من الشارع، ويمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة الإنفاق على بعض البنود ذات الأبعاد الاجتماعية كالرواتب والأجور والصحة والتعليم بحيث يكون لها صدى على حياة المواطن الذي يسمع كل عام بالموازنة العامة دون أن يجد لها أثراً.