الثورة _ فؤاد مسعد:
ما إن صعد إلى خشبة مسرح الحمراء لتكريمه في الاحتفال بيوم المسرح العالمي في السابع والعشرين من شهر آذار عام 2008 حتى انهمرت دموعه ، كانت لحظات فرضت هيبتها على جمهور وقف مصفقاً بحرارة مشاركاً فناناً كبيراً الإحساس بالدفء والغبطة وحفظ الجميل حتى أن عدداً من الحضور شاركوه بغفلة منهم دموعه طواعية فعايشوا اللحظة بحميميتها وحرارتها ، هذه اللحظة المٌشبعة بالمحبة الخالصة خص بها الجمهور بعفويته وتلقائيته الفنان الكبير بسام لطفي ، واليوم يودعه بالمحبة نفسها بعد أن ترجل عن صهوة جواده تاركاً وراءه سنين طويلة من العطاء وأعمال مهمة كثيرة كان لها أثرها ووقعها في نفوس المشاهدين ، وقد كرّم الفقيد في مناسبات أخرى ففي عام 2019 كرمته وزارة الإعلام كونه أحد أبرز رواد الدراما التلفزيونية وفي العام نفسه كرمه مهرجان سينما الشباب تقديراً لمسيرته الفنية ، وعلى أهمية التكريم إلا أن الراحل كان همه الأول قراءة علامات الرضا والإعجاب بعيون الناس عما يُقدم من أعمال ، كان يكفيه أن يبادله الجمهور الحب بالحب .
عن عمر يناهز (82) عاماً توفى المبدع الكبير الذي يُعتبر من جيل حرث الأرض للأجيال اللاحقة ، عمل دون أن ينظر إلى الوراء همه تقديم الأفضل والأبقى ، الفنان بسام لطفي سليمان أبو غزالة من مواليد طولكرم في فلسطين عام 1940 ، انتقل إلى سورية بعد حرب عام 1948 ، وبدأ نشاطه الفني فيها عام 1957 مقدماً أولى تجاربه المسرحية . يعتبر الراحل من مؤسسي نقابة الفنانين السوريين وصاحب العضوية رقم (1) فيها ، كما أنه أحد مؤسسي العمل الدرامي والفني وهو من رواد المسرح القومي . شارك في أول عمل تلفزيوني درامي سوري (الغريب) عام 1960 ، وفي أوائل أفلام المؤسسة العامة للسينما فشارك في (رجال تحت الشمس) عام 1970 وتبعه بعد عامين فيلما (السكين ، المخدوعون) ، وكان له حضور مؤثر في الإذاعة حتى أن علاقته معها كان ملؤها الدفء وبقي حتى الفترة الأخيرة من حياته يعمل ويسجل فيها في العديد من الأعمال .
كثيرة هي الأعمال الدرامية التي حفرت في الذاكرة جسد فيها الراحل شخصيات مهمة ، فعلى صعيد التلفزيون نذكر منها : (حكايا الليل ، الدولاب ، انتقام الزباء ، المجنون طليقاً ، دائرة النار ، نهاية رجل شجاع ، التغريبة الفلسطينية ، هولاكو ، يوميات مدير عام ، هوى بحري ، تل الرماد ، بنت الضرة ، الفراري ، جواد الليل ، الطويبي ، ليل المسافرين ، قاع المدينة ، القربان ، بانتظار الياسمين ، حارس القدس) ، ومن أعماله في السينما نذكر : (الاتجاه المعاكس ، الرسالة الأخيرة ، دمشق مع حبي ، حب للحياة ، فانية وتتبدد) ، إضافة إلى العديد من المسرحيات ، ومنها : (الطريق ، شعب لا يموت) .
عرفه كثيرون بالرجل المُحب والنقي والطيب الذكر ، الأصيل الوفي السمح النبيل وصاحب كلمة الحق ، كان مثال أعلى يُحتذى به عملاً وأخلاقاً ونبلاً .. كثيرة هي الصفات التي عُرف بها وميّزته إنساناً وفناناً مبدعاً حتى في علاقاته مع الآخرين ، إنه قامة إبداعية كبيرة وبرحيله خسرنا فناناً من الطراز الرفيع حقق عبر ما قدم من أعمال حضوراً مختلفاً وفريداً ، كان قريباً من الناس ودخل بيوتهم عبر أعمال درامية متنوعة فاستقبلوا ما قدم بحب كبير ، هو مبدع لا يتكرر ، لروحه الرحمة وليكن ذكره مؤبداً .