من يسعفه الوقت لمطالعة بعض البيانات الضريبية المزورة وحجم أرقام العمل المتهربة، والطرق الاحتيالية “البهلوانية” التي سلكها الكثيرون من كبار المكلفين لطمس حقيقية جوانب كثيرة من نشاطهم التجاري والصناعي والدوائي والسياحي ..، يستطيع أن يبصم “وبالعشرة” أن ما كان يجري داخل صندوق التهرب الضريبي يندى له الجبين، ويشيب من سماعه الغراب .. كيف لا، ونحن نتحدث هنا عن آلاف المليارات من الليرات التي كانت تصب قبل سنوات قليلة من الآن وبطرفة عين احترافية لا هاوية في زواريب خاصة جداً بعيداً عن نبع الخزينة العامة للدولة.
هذه الحقيقة التي يفوق طعمها مر العلقم والحنظل معاً، يمكن اعتبارها بمثابة إخبار عام نضعه بيد سلطتنا التنفيذية، وتحديداً أمام اللجنة العليا للإشراف على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي استعرضت مؤخراً مذكرة حول واقع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد والمراحل التي قطعتها وفق البرنامج الزمني المحدد ومقترحات وآليات المتابعة.
وهنا قد يحاول البعض ممن يعانون حساسية مفرطة وقلق دائم ورعب مستمر من كل ما له علاقة بملف مكافحة الفساد، إلصاق تهمة الفساد زوراً وبهتاناً وبشكل حصري ومطلق بالقطاع العام، ولا أحد آخر على وجه هذه البسيطة إلا موظف القطاع العام، طبعاً مع محاولاتهم المستميتة نزع هذه الصفة الملازمة والملاصقة لهم، في كل أعمالهم المشبوهة والمريبة التي يقومون بها خلسة من تحت طاولة الأخلاق والوطنية والانتماء.
نحن هنا لسنا مع ولا ضد، وإنما مع حتمية متابعة تنفيذ منظومة مكافحة الفساد على المستويات التشريعية والتنظيمية والإدارية والمالية، وتوسيع مروحة آليات مكافحة الفساد لتشمل الراشي والمرتشي والواقف بينهما وخلفهما وأمامهما وعلى يمنهم وشمالهم، ومعاقبة الموظف العام المضبوط بالجرم المشهود بذات العقوبة الجرمية مع رجال المال والأعمال وموظفيهم “من شطب الترخيص والسجل الصناعي أو التجاري ..، إلى المنع من مزاولة المهنة لمدة تتناسب طرداً ونوع الجرم المقترف إلى الإعلان عن أسمائهم أمام الملأ إلى .. إلى”.
وهذا يحتاج في المقام الأول إلى قوة تنفيذية ضاربة، وقبضات قضائية فولاذية، وأعين رقابية ثاقبة، وآذان تحقيقية مصغية “للحقائق لا للافتراء والدسائس”، بعيداً عن حفلات التطبيل والتزمير والتشهير الفيسبوكية التي لا هم لها في هذه الدنيا إلا القبض ممن يدفع أكثر.