كأننا نعاند أنفسنا ونكابر على الظروف الصعبة..ونحن نمعن في المضي بذات المسارات التي أدت إلى تعقيد ملف السكن والإسكان، وهو الملف الذي أربك الجميع حكومة ومواطنا.. وأفرز طبقة أثرياء “أثرياء بلا عناء” على حساب طالبي السكن البسطاء منهم والميسورين، والبنوك الوطنية، والحكومة بما أتاحته من تسهيلات..أي خسر الجميع وربحت حفنة من جامعي المال “على البارد” كما يقال ؟!
الغريب حقا أن كل المحاولات والحلول على مدى عقود وعقود لم تثمر، وبقيت المشكلة قائمة بل وباتت أكثر تعقيدا لاسيما مع إسقاطات ظروف الأزمة، وربما علينا أن ننتبه إلى أن الجميع خرج خاسرا في كل القطاعات..إلا حائزي الكتل الإسمنتية ضمنوا أرباحا بلا حدود وهم في حالة استرخاء مطلق، ويبدو أنهم المقصود من المقولة القديمة “أينما غيمت فستمطر على أرضهم” بل وكأنها قيلت لأجلهم.
منذ زمن وطويل وبالأمس القريب واليوم وربما غدا يتساءل الجميع..مالحل؟
بالتأكيد لايمكن التعويل على متعهدي البناء و تجاره الذين يعاني بعضهم في كتابة جملة بدون أخطاء إملائية، بل التعويل على الحكومة كجهة صاحبة قرار مخولة برسم خريطة مستقبل قطاع الإسكان.. وعلى الجميع الالتزام.. فما شكل الخريطة التي يمكن للحكومة فرضها على الأرض؟
كانت تجربة السكن الشبابي – وهي فكرة نبيلة – من أهم الأفكار الاستراتيجية التي قاربت مشكلة الإسكان في سورية..لكن بقيت محدودة النطاق في مراكز المحافظات دون مدنها ومناطقها وبلداتها..وهذه مشكلة من نفذ وخطط وليس من وجه وقرر.. والفكرة يجب أن تستمر وتبقى وعلى الحكومة تطويرها وفرض حالة من التشاركية مع القطاع الخاص..ليس صدقة منه بل مشاركة مدفوعة الثمن.. أي ليس على حساب “الخاص”.
في السبعينيات كان هناك ما سمي حينها “السكن الاقتصادي” الاقتصاديات..وهي تجمعات مساكن صغيرة في مناطق السكن العمالي ومازالت موجودة..محطات السكك الحديدية..المطارات..مساكن العاملين في القوات المسلحة..مسكن سد الفرات في مدينة الثورة…وغيرها..لكن التجربة انكفأت أمام طموحات الثراء الجامحة لدى تجار البناء بعد أن استحوذوا على ٩٠ بالمئة من حصة قطاع البناء والتشييد.
فمفهوم السكن الاقتصادي تم استبداله بمفهوم السكن الاجتماعي..وهذا جيد..والسكن الشبابي يندرج في الإطار .لكن الحكومة لوحدها لبست مسؤولة عن تطبيقات الفكرة، فلماذا تم السماح للقطاع الخاص بالنأي بنفسه بعيدا؟؟.
نعلم أن في قانون التطوير العقاري بندا يلزم أصحاب الشركات لتخصيص ١٠ أو ١٥ بالمئة من أعمال شركاتهم للسكن الاجتماعي “مساكن بمساحات صغيرة ٥٠ مترأ مربعا” لكن أحدا لم يلتزم..وربما لأن طالبي السكن يطمحون لمساحات أوسع حتى لو لم تساعدهم إمكاناتهم.. أي كان الطموح كبيرا.
اليوم نسأل عن هذه الشركات – وهي كثيرة أو غير قليلة – ماذا تخطط وما الذي تخططه لها الحكومة..ولماذا تنكفئ في زوايا معتمة تراقب المشهد..هل بالفعل لم تعمل طيلة فترة الأزمة..ولمن تعود المشروعات العمرانية الكبيرة التي ملأت مزاداتها البلد ضجيجا ؟؟
السكن الصغير “الاستوديو” هو الحل.. في المحافظات والمدن والمناطق والبلدات، وعلينا ألا نستغرب فالأرياف غدت مسرحا لاستثمارات عقارية كبيرة بعد أن تقلصت مساحات الأراضي المعدة للبناء في مراكز المدن.
السكن الاجتماعي أو الاقتصادي هو الحل.. لأن الشباب أمام استحالة الحصول على مسكن.. وعلى الحكومة أن تبدأ برسم خريطة أفقية للسكن الصغير.. والتنفيذ على شركات التطوير التي ليس لها من اسمها نصيب حتى الآن.
السابق