الثورة_عمار النعمة:
منذ فجر التاريخ وحتى اللحظة سورية تعبق بالحياة والإبداع والإنجازات الثقافية والجمالية والفنية التي امتدت داخل سورية وخارجها … فالإبداع السوري حاضر على مسارح العالم ليؤكد أننا أبناء الحضارة وأرض الأبجدية والتراث العريق.
ولأن مدينة حلب أرض الفن الأصيل وقد استحقت عن جدارة أن يطلق عليها عاصمة الموسيقى، هنا نتوقف عند القدود الحلبية التي سُجلت على القائمة التمثيلية في منظمة اليونيسكو نهاية عام 2021 الأمر الذي مكّن أهل حلب والسوريين من حمل هذا العنصر الثقافي السوري كعنصر تراثي أصيل إلى العالم من خلال حبهم له وتمسكهم بموسيقاهم وأصواتهم الاستثنائية, وكان المطرب الكبير الراحل صباح فخري (1933 – 2021) أحد أشهر الأسماء الغنائية التي ارتبطت سيرتها بفن القدود الحلبية، والموشحات الأندلسية، بضعة عقود، في بلدان العالم العربي كافة.
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أضاف الحلبيون إلى تراثهم الموسيقي الغني أساليب غناء تطورت وعرفت من ضمن ألوان الغناء العربي مثل القدود والموشحات والموال والطقطوقة التي تطورت بعد ذلك على يد سيد درويش واحمد صبري ومحمد القصبجي ورياض السنباطي وداود حسني وزكريا احمد ، ويعتبر الشيخ عمر البطش – 1885 – 1950 م من أهم من لحن الموشحات وكان من منشدي الزوايا الهلالية في حلب وقد اجتمع وتعلم على يديه مشاهير المطربين والملحنين والموسيقيين مثل صبري مدلل وعبد القادر الحجار وبهجت حسان وصبري الحريري ومن التلاميذ بعد ذلك محمد خيري جليلاتي و عبدالرحمن عطية .
والقد هو قالب غنائي موسيقي شرقي اشتهرت به مدينة حلب، نشأ بداية في الأندلس ثم انتقل إلى بلاد الشام وبُنيت القدود على ألحان دينية أو مدنية، بمعنى أنها بُنيت على “قد”، ومن أنواعه، القد الشعبي: وهو عبارة عن منظومات غنائية متوارثة عن الأجداد، والقسم الأكبر منه لا يُعرف كاتبه أو ملحنه, القد الموشح: وعادة يكون مبنياً على نظام الموشح القديم من حيث الشكل الفني وبصياغة جديدة، وله ثلاثة مصادر: الموشحات والأناشيد الدينية المتداولة في الموالد والأذكار- الأغاني الشعبية والفولكلورية والتراثية – الأغاني والموشحات الأعجمية التركية والفارسية على وجه الخصوص.
( عمل دؤوب )
دأبت الأمانة السورية للتنمية على دعم الإبداع السوري ونشره عبر اجتماعات وورش عمل كثيرة مع باحثين ومختصين موسيقيين ومطربي حلب وصولاً إلى إرسال ملف الترشيح في عام 2019، وتقييمه من قبل خبراء مختصين بالتراث اللا مادي من أكثر من 12 دولة عربية وأجنبية، ليستحق الملف قرار الإدراج، حيث جاء فيه “إن لجنة التقييم تثني على ملف القدود الحلبية وما قدمه من إبراز لأهمية التراث اللا مادي، وقدرته على تزويد المجتمعات بمصادر الصمود في حالات النزاع وما بعد الصراع وتعزيز بناء السلام والحوار بين المجتمعات”.
ويأتي قرار منظمة اليونسكو بإدراج القدود الحلبية، بعد تسجيل سورية عنصر “الحرف والممارسات المرتبطة بالوردة الشامية” أيضاً ضمن القائمة التمثيلية لعام 2019.
واستكمالاً لما تم ذكره فها هي الأمانة السورية تتابع خطواتها في صون القدود الحلبية، ففي الأمس القريب احتضنت قاعة صلحي الوادي في المعهد العالي للموسيقا ندوة موسيقية بعنوان “القدود الحلبية ذاكرة وإبداع” للباحث الموسيقي الدكتور محمد قدري دلال الذي قدم لمحة تاريخية عن نشأة القدود مستعرضاً أمثلة عن أشهر القدود الحلبية وسبب نسبها لمدينة حلب، حيث حافظ أهلها عليها رغم أنها قد تكون لمدن سورية أخرى مؤكداً ضرورة الحفاظ على هذا العنصر التراثي السوري من خلال المحافظة على المقامات والإيقاعات الكلاسيكية.
في الختام نقول: منذ بداية الحرب العدوانية على سورية سجل السوريون أنهم صمدوا وصبروا وقاتلوا في ميادين الحياة وعلى جبهاتها المختلفة من السياسة إلى الإعلام إلى الثقافة إلى المعرفة إلى الحفاظ على تراثهم وحضارتهم التي كانت هدفاً للإرهاب فكانوا أقوى من المتآمرين وأصلب من المؤامرة وكان الانتصار العظيم يعبرون من خلاله ليسجلوا على قائمة التاريخ (هنا صمد السوريون وهنا يكتبون وجهاً آخر للحياة).