الثورة-محمود ديبو:
إلى جانب محاصيل الحمضيات والزيتون والشوندر السكري والتفاح، فها هو محصول التبغ يدخل في دوامة قد تقذف به بعيداً بما يتسبب بتراجع الإنتاج وعزوف الفلاحين عن زراعته بعد أن أصبح هو الآخر موسماً خاسراً ومخسراً في ضوء ارتفاع تكاليف الإنتاج من جهة، وتراجع القيمة التقديرية للكيلو غرام منه الذي تستلمه المؤسسة العامة للتبغ.
ولعلها المفارقة الأكثر ادهاشاً في ضوء ما نتحدث عنه من ضرورة التوجه إلى الزراعة وإيلائها الاهتمام الأول لمواجهة تداعيات الحصار الاقتصادي والعقوبات وما خلفته الحرب العدوانية من آثار سلبية على الزراعة وغيرها من القطاعات..!!
فمن جهة قامت مؤسسة التبغ برفع أسعار مبيع منتجاتها من التبغ المصنع بكل أصنافه (الحمراء، والشرق، و…) بالتزامن مع الارتفاعات المستمرة لأسعار مختلف المنتجات المحلية والمستوردة، ولعل في هذا وجهة نظر للتخفيف من حجم الأعباء وربما الخسائر أو ربما للمحافظة على مستويات أرباح محددة دون المساس بها..
فيما بالمقابل لم تقم المؤسسة برفع أسعار شرائها للمحصول من الفلاحين الذين يجهدون على مدار عام كامل لإنتاج محصول التبغ الذي هو يشكل المادة الأولية الأساسية لعمل معامل المؤسسة وإنتاجها المتنوع الأصناف..
وكما هو الأمر في كل عام ومع بدء مواعيد استلام المحاصيل من الفلاحين تعالت أصوات المزارعين محتجة على الآلية المتبعة في الاستلام من قبل لجان التخمين بدءاً من تقييم المحصول وتصنيفه وصولاً إلى تقييمه وتسعيره، والتي يرون فيها حالة من عدم الإنصاف ليس لكونها لا تغطي تكاليف الإنتاج وإنما لأنها مخسرة بحيث أن الفلاح مضطر لأن ينفق على المحصول على مدار عدة أشهر لقاء أثمان البذار والشتول والمحروقات و….. كل هذا إلى جانب الجهد المبذول الذي تقوم به الأسرة كاملة لأنه كما هو معروف فإن زراعة التبغ تحتاج إلى جهود الأسرة مجتمعة لإنجاز كل الأعمال المتعلقة بإيصال المحصول إلى مراحله النهائية من فرز وتوضيف وتحويله إلى بالات جاهزة للتسليم.
هذا الواقع قد يقود محصول التبغ كما غيره من المحاصيل إلى مرحلة جديدة قادمة قد تشهد تراجعاً في الإنتاج نتيجة للأسباب نفسها التي أدت إلى تراجع باقي المحاصيل كالحمضيات والزيتون والشوندر السكري وغيرها، وهنا لا نقول إن الأمر يحتاج إلى معجزة لإنقاذ هذا المحصول الاستراتيجي الهام الذي يشغل آلاف الأسر في المنطقة الساحلية وبعض المناطق الداخلية في ريفي حمص وحماة، وإنما الأمر يحتاج إلى جدية وتعامل بالمستوى المطلوب وبواقعية بحيث يتم احتساب تعويضات مجزية للفلاحين عن محاصيلهم وعدم الدخول في دوامات التصنيف والتقييم التي تبخس قيمة محاصيل بعض الفلاحين وتضيع جهودهم وأموالهم..
إن اعتماد مبدأ أولوية الزراعة يحتاج إلى عدم التهاون بأي جهد يبذل أولاً وقبل كل شيء، ثم بعد ذلك تقييم المنتج على الأسعار الحالية بعد احتساب التكاليف أيضاً بالأسعار الحالية وليس بأسعار قبل عشرات السنين، ففي هذا غبن كبير وسيعود بنتائج سلبية على الزراعة عموماً أولها هجران الأراضي والتوجه إلى أعمال أكثر عائدية من الزراعة التي باتت مخسرة اليوم في ضوء الشكل الحالي من التعامل مع المزارع ومع محصوله والاستهتار بتعبه وجهده وصبره..