يمكن الجزم بأن تداعيات التورط الغربي في الحرب الأوكرانية دعماً لنظام زيلينسكي في مواجهة موسكو، قد بدأت ترخي بظلالها القاتمة على الأوضاع الأوروبية عموماً وبصورة دراماتيكية لم تكن متوقعة بهذا التسارع، فالأزمات المعيشية التي تعاني منها الشعوب الأوروبية حالياً على خلفية غلاء أسعار الطاقة والمواد الغذائية والعقوبات المفروضة على روسيا تتجلى اليوم بأزمات سياسية تعصف بالحكومات، ولعل أبرزها ما يجري اليوم على الساحة البريطانية بوجه خاص.
فبعد فضيحة سياسية كان “بطلها” رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون والتي استقال على إثرها بعد اتهامه بالكذب، لم تكد خليفته في حزب المحافظين ليز تراس تكمل الشهرين على رأس منصبها الحكومي حتى تقدمت هي الأخرى باستقالتها بسبب عجزها عن قيادة البلاد، تاركة الصراع يحتدم على رئاسة حزب المحافظين من جهة وعلى رئاسة الحكومة من جهة أخرى، ولعل المثير للسخرية هنا هي عودة جونسون الكذاب للمنافسة على رئاسة الحكومة من جديد حيث يتخوف البريطانيون من عودته 10 داوننغ ستريت، وكأن بريطانيا “العظمى” قد أصابها العقم ولم يعد فيها سوى هذا “المهرج” ليقودها في هذا المنعطف الوعر.
من الواضح أن تطورات الحرب في أوكرانيا ستنتقل بالسياسة الغربية عموما إلى مأزق كبير نتيجة التبعية الأوروبية العمياء للولايات المتحدة التي يقودها حالياً رئيس منتهي الصلاحية والاهلية، والتي ورطت الأوروبيين عموماً في حرب لا مصلحة لهم فيها، ولو كان القادة الأوروبيون يعوون مصالح شعوبهم جيداً لما وقعت الحرب أصلاً ولما كانت القارة العجوز ترتجف قلقاً على أبواب شتاء سيكون بارداً بما يكفي لتنفجر أزمات اقتصادية وسياسة وحكومية في عموم القارة.
اليوم الأزمة في بريطانيا وغداً قد تنتقل إلى فرنسا التي تعاني نقصاً حاداً في مصادر الطاقة، ولعله من الصعب التكهن بخارطة التأزم المتسع، وكيف سيكون الحال في الأشهر القادمة مع احتدام الحرب في شرق القارة، واقتراب الشتاء على وقع التعنت الغربي تجاه الحل السياسي لأزمة أوكرانيا، وخاصة أن المفاجآت غير المتوقعة قد تحدث بين اللحظة والأخرى.

التالي