الملحق الثقافي-غسان شمه:
يروى أن طبيباً في مستشفى للأمراض العقلية سأل أحد النزلاء عن اليوم الذي يمرون به؟ فقال: السبت، وعن الغد؟ فأجاب أيضاً: السبت. فسأل الطبيب: وكيف يكون ذلك؟ فرد «المجنون» : عندما يختلف الغد عن اليوم يكون الأحد!
في كتابه «تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» يطلب ميشيل فوكو من العقل أن يمثل أمام محكمة الجنون لا العكس، وهو من عانى من هذا «المرض» الذي وضعه بين ثلة من الأدباء الموسومين بطقوسهم وتصرفاتهم المختلفة والمثيرة، وكذلك الأمر على مستوى نصوصهم وإن يكن بدرجات مختلفة..
وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عدد كبير من الأدباء الذين ظهر عليهم بعض عوارض الجنون مثل فوكو وجان جاك روسو، ونيتشه الذي دخل غياهب حالته هذه لمدة طويلة قبل موته، وموباسان، ومارسيل بروست… وعرفت الحياة الأدبية نماذج منهم فقد عاش الكاتب المغربي محمد شكري فترة في مستشفى الأمراض العقلية، وكذلك مي زيادة، وجبران خليل جبران.
وقد وضع الكاتب المغربي حسن الوزاني كتاباً مهماً بعنوان «خطاب الجنون في التراث العربي.. مقاربات لغوية وثقافية».. وعرف الأدب العربي هذه الظاهرة التي رصد بعضاً منها النيسابوري في كتابه «عقلاء المجانين»..
توقف الأدب الغربي، عند هذه الظاهرة، بشكل أكبر وأشمل مما عرفته الحياة الأدبية العربية لأسباب اجتماعية وثقافية، وتحدث عنها الكثير من الأدباء والمفكرين الغربيين ببساطة. وقد سئل الكاتب الفرنسي أندريه موروا عن عصابية الروائيين والمبدعين فأوضح أنهم «كانوا سيصيرون عصابيين لولا أنهم أصبحوا روائيين، فالعصاب هو الذي يصنع الفنان والفن، وهو الذي يشفيه»..
وقد قارب علم النفس هذه الظاهرة حتى إن أحدهم رأى أن العبقري شخص ممسوس، أو مسكون من الداخل حتى لكأن به مس من الجنون.. ولكن الفرق حسب الفرنسي ديدرو أن المجنون يسجن في المصح العقلي، والعبقري ترفع له التماثيل..
العدد 1117 – 25- 10-2022