سفر الختام – الاصحاح الثلاثون يا سامعين الصوت …
عندما بدأت الكتابة في جريدة الثورة.. الغائبة ورقياً كنت أتصور أن العالم ينصت لما أقول .. ويتابعني وأنا أكتب كلمة كلمة..!! ومضت معي هذه العادة لوقت طويل .. حتى غلب على توجيه الكتابة عندي، الطابع الإذاعي .. أقرأ وأنا أكتب وأتخيل مستمعاً، يعلق.. ينتقد .. يمتدح..يشتم ..أتخيل ردة فعل ما لما أقوله!! وبصراحة كان هناك كثير من ردود الأفعال التي من أول تأثيراتها، السعي المستمر لأن يكون لما تكتبه طعم .. ولا سيما أن طاحون مطابع الصحف تسألك دائماً: هل من مزيد..!؟
هل ما زلت أنا اليوم .. كذلك.. أعني: كما كنت..؟
بصراحة .. لا.. أبداً لست اليوم كما كنت.. ولم تعد تتملكني تلك المشاعر التي ساهمت في تقدمي في مضمار العمل الصحفي .. ولذلك أسباب لا تحصى.. أختار أولها.. أنني أكتب بلا قلم ولا ورقة..!!؟؟ سلبتني التكنولوجيا ورقتي والقلم.. وإذا كانت لوحة مفاتيح الكمبيوتر قد شكلت بديلاً كلياً للقلم.. فإن “أون لاين” لم يستطع أن يخلصني من غرامي بالورق.. ولا أستطيع أن أتخيل إعلاماً بلا ورق.. ولذلك أشرت لجريدة الثورة التي أمضيت الشطر الغالي من العمر في رحابها “بالغائبة ورقياً”.. علماً أن الثورة مستمرة بالصدور “أون لاين” .. لكن ولا مرة استطاع هذا “الأون لاين” أن يقنعني أنه البديل الكلي للورق.. هو بديل شرعي تقني ولا مفر منه كبديل.. لكن عقلي لا يصدق أن تأثير النص الإعلامي أون لاين له المفعول ذاته الذي لهذا النص فيما لو نشر على الورق..
كل ما هو على الصحيفة الورقية لك كقارئ لهذه الصحيفة..أما أون لاين.. فلك ما تختاره وتفتح عليه.. ولذلك يستعين عديد الجرائد أون لاين، بملخص ورقي مطبوع ليسهل على القارئ الوصول لموضوعه أون لاين..
بكل الأحوال.. لست أنا النموذج الذي يجب أن تفصّل وسائط النشر الإعلامي على مزاجه.. فأنا مريض بحب الورق.. وليست هذه المشكلة هي الوحيدة التي تواجه الإعلام المعاصر.. وإعلامنا على وجه التحديد.. ولن يتوقف أون لاين حتى تصبح الحياة كلها أون لاين..
أما إذا كان على الإعلام أن يرجع إلى وسائل الاتصال القديمة إرضاء لما تعوده المتلقي .. فسنعود إلى إعلام “يا هو يا سامعين الصوت.. ” بالأذن من المحترم الذي أعتقد أنه أصبح مرحوماً .. شوقي خير ألله..
As.abboud@gmail.com