الثورة ـ فؤاد مسعد:
هاجسها عالم الطفولة بكل ما يعج به من قضايا حارة تلامس واقع الحياة وقسوتها، إنها المخرجة تاتيانا أبو عسلي التي انتهت مؤخراً من تصوير فيلم قصير بعنوان «دُعاء» من تأليفها وإخراجها وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية لطفلة متسولة تراها امرأة فتتعاطف معها وتحاول مساعدتها ولكن تواجهها عقبات تستطيع تجاوزها وتساعدها في النهاية، وسبق للمخرجة أن قدمت فيلماً قصيراً «الرجل الصغير» ومسرحية «العكازة» طرحت في كل منهما موضوعاً يتعلق بالأطفال.
حول تناولها موضوعات مرتبطة بعالم الأطفال تؤكد أبو عسلي أن الأمر بالنسبة إليها يعد حالة تبنٍّ لأن هؤلاء الأطفال هم مستقبل البلد، تقول: «الأمر لا يتعلق بعمالة الأطفال فقط، وإنما تبنيت قضية الأطفال بشكل عام بغض النظر عن وضعهم، والمشكلة أنّ عدد الأطفال المشردين والمتسولين، والذين يعملون في ازدياد، وتفاقم هذا الموضوع خطير، وينبغي أن تكون هناك حلول، ولهذا أصر أن أحكي عنهم، وهي قضيتي التي تبنيتها في الفن».
وعن مكمن الاختلاف بين فيلمها الجديد «دُعاء» وتجاربها السابقة، تقول:في كل مرة أطرح جانباً مختلفاً من هذه القضية، ففي فيلم «دعاء» حكيت عن طفلة متسولة وتناولت الجانبين الإنساني والقانوني وأثرت العديد من الأسئلة، أما في فيلم (الرجل الصغير) فتناولت قسوة الحياة عليهم، فالطفل هنا والده متوفى، وهو يعمل ليساعد العائلة ولديه حلم بشراء سترة، ولكن عندما أصيبت أخته بقذيفة واحتاجت إلى الدواء تخلى عن حلمه وكسر حصالته من أجلها، وفعل كسره للحصالة معناه أنه كسر الحلم وبات رجلاً حقيقياً عندما أصبحت مسؤولية العائلة على عاتقه، فحاولت القول: إنه طالما لدى الطفل أحلام ففي داخله شيء من الطفولة، ولكنه يتحول إلى رجل عندما يفقد الحلم، كما تناولت جانباً آخراً في مسرحية (العكازة) يتعلق بأهمية أن يتخلى الأهل عن أنانيتهم لأن أي مشكلة ستنعكس سلباً على الأطفال.
وحول سبب خيار تقنية اللقطة الواحدة «وان شوت ـ One Shot» التي استخدمتها ومدى قدرتها على شد المتلقي، تقول: «هي صعبة لكنني أحببت خوض التحدي وساعدتني هذه التقنية كثيراً لأن النص فيه الكثير من الكلام، وبما أننا نتناول قضايا قانونية وهناك آراء متنوعة شعرت أن التقطيع العادي سيكون مملاً، كما أن المشاهد فيها الكثير من الإحساس، وإن قمت بالقطع سيهرب قليلاً لذلك اخترت هذه التقنية لتغني المشهد حتى وإن كانت الكاميرا ثابتة من دون أن تتحرك مع الممثل لآخذ إحساسه كاملاً دون انقطاع وكأنه يقدم مسرحاً، وهذا الأمر سيجذب الجمهور بشكل أكبر، وهو يسمع الكلام ويرى تصاعد وهبوط الإحساس».
وتثني المخرجة على الطفلة شهد الزلق التي أدت الدور مؤكدة أنها موهوبة جداً، تقول: «اخترتها منذ البداية وكان من الصعب أن تؤدي الدور أي طفلة أخرى لأن فيه الكثير من الانفعالات، وأضفت على الشخصية ما هو واقعي سحري بأن تقول الشعر وهي تتسول، وما فعلته أنني أعطيتها النص وعاملتها كممثلة محترفة حتى أنني لم أجرِ معها أي تجربة قبل التصوير، وأنا لدي خبرة مع الطفل وأعرف كيف أتفاهم معه، وحول إن ضم الفيلم أشخاصاً حقيقيين ممن تعاملت الطفلة الأساسية معهم، تشير إلى مشهد للطفلة يدفعها فيه والدها للنوم في الشارع فتحاول الاتصال بالمرأة التي تساعدها، وتلجأ إلى أحد أصحاب المقاهي ليعطيها الهاتف وتتصل بها، وقدم هذا الدور صاحب المقهى نفسه الذي كانت المخرجة تجلس فيه وترى فيه دعاء الحقيقية.