الملحق الثقافي-غسان شمه:
في كل وقت يرتدي العاشق قميص ضوء نسجت خيوطه سحائب حب ماطرة، فتراه يهيم في أرجاء كونه كنسمة خفيفة تحلق في فضاء لا حدود له وربما خاط عقله شيء من الجنون «اللطيف» فوجد فيه لذة اعتراف بغرق اختاره ملء قلبه الريان بعطر الجوى..وهذا هو المجنون يقول: «يسمونني المجنون حين يرونني … نعم بي من ليلى الغداة جنون»..
ولكن ذلك لا يعني أن أصحاب العقول «الراجحة» لا يتورطون في نهر «الجنون» هذا، لكن روحاً تختلف عن أخرى، تحت وطأة العقل والتعقل، حيث يتطلب الأمر أحياناً نوعاً من كباح النفس أما هذه القيمة الإنسانية العابرة للزمن والبشر، فنرى صاحب العقل يعترف، بلحظة ما، بما هو أقوى من صمود مهزوز!.. والمتنبي يقول: «وعذلت أهل العشق حتى ذقته… فعجبت كيف لا يموت من لا يعشق».. ثم نراه يلقي بأسلحته كاملة وهو يعلن: «لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي… وللحب ما لم يبق مني وما بقي»..
ومن خلفه يردد أبو تمام ما يتصادى مع ذلك: « وما عجبي موت المحبين في الهوى… ولكن بقاء العاشقين عجيب».. ويرى أن صدى العاشق يتبع معشوقه حتى بعد الموت: «يهواك ما عشت القلب فإن أمت… يتبع صداي صداك في الأقبر»..
لكن العقل الإنساني، بما ينطوي عليه من اتساع في الرؤية، يفتح آفاقاً أخرى للمحبة، وهي أسمى أنواع الحب كما ذهب ابن عربي في بيت شعر طبق الآفاق حتى بات ديناً للإنسانية وفق تلك الرؤية الفكرية والعقلية في رؤية شعرية وفلسفية في آن معاً لينداح الحب جارفاً في نهر الحياة: « أدين بدين الحب أنى توجهت… ركائبه فالحب ديني وإيماني» خارجاً من فردانيته إلى اتساع الوجود..
العدد 1119 – 8-11-2022