الملحق الثقافي- حبيب إبراهيم :
في قريتنا (قصر ابن وردان) الغافية على تخوم البادية وقبل قرابة نصف قرن، لم يكن بين أيدينا من وسائل الاتصال سوى (الراديو) الذي يعمل بالبطاريات الجافة، والكتاب المدرسي المقرٍر من وزارة التربية ؟!
في مثل هكذا واقع تغيب القراءة،تغيب المطالعة …؟! لا كتب ..لا صحف …لا مجلات ..؟!
ثمّة توق في داخلنا لقراءة مجلّة ملوّنة، أو كتاب مهما كان عنوانه وحجمه،لكن ليس باليد حيلة ؟!
ربما من محاسن الصدف زيارة الوحدة الثقافية المتنقلة والتابعة للمركز الثقافي في حماة للقرية وطلب بعض الكتب بضمانة أشخاص كبار بالغين وفق الأنظمة المتبعة في الإعارة، لأن أعمارنا صغيرة ولم نتجاوز المرحلة الإبتدائية بعد.
في تلك اللحظات كل هذه الإجراءات لا تعنينا، ولا تشغل تفكيرنا ؟! ما يهمّنا ويشغل بالنا الحصول على الكتاب الذي هو هدفنا الأول والأخير.
قال لنا المشرف على الوحدة الثقافية المتنقلة، وهي بالمناسبة سيارة بيك آب مغلقة ولها باب من الخلف وفيها مجموعة كبيرة من الكتب المنوعة، بمعنى آخر هي مركز ثقافي صغير متنقل يجوب القرى البعيدة عن مراكز المدن…معكم شهر لقراءة الكتب التي تستعيرونها وعليكم المحافظة عليها…كانت فرحتي لا توصف عندما سلمني كتاب (رحلة السندباد البحري -زنوبيا)
تأبطت الكتابين، وبدأت بالعدو تجاه المنزل والفرحة لاتسعني وكأنني نجحت في صفي بتفوق ..كان لدي متّسع من الوقت للقراءة إلى جانب الدراسة ومساعدة الأهل في مواسم الحصاد والبيدر.
قرأت كتاب رحلة السندباد البحري عدّة مرات وبشيء من المتعة والشوق حيث يجمع الكتاب بين الأسطورة والخيال وفيه جاذبية لمثل أعمارنا، فمن المغامرات والأحداث الخيالية التي كنا نحسبها واقعاً في حينها تولّد لدينا حب الإطلاع والمعرفة والبحث، وهذا النوع من القصص مهم جدّاً للفتيان والناشئة واليافعين،حيث تزداد مخيلتهم ثراءً وخصباً،وتفتح أمامهم آفاقاً رحبة للإبداع.
(رحلة السندباد البحري) كتاب رشيق وشائق، يجمع بين الإثارة والخيال، بين المغامرة واقتحام المجهول بثقة مطلقة بحتمية انتصار الخير على الشر بأسلوب ممتع يجذب القارئ ويستهويه، فكيف إذا كان من الناشئة والتلاميذ والفتيان واليافعين؟.
هي رحلة تجمع بين المغامرة والأسطورة، بين المتعة والفائدة، يتنقّل خلالها السندباد قاطعاً الأفلاك والجزر، متنقّلاً بين الأمصار والبلدان ليتعرف من خلال هذه الرحلة على حياة الأمم والشعوب مبرزاً عاداتها وطرائق عيشها وثقافاتها المتنوعة، وتقاليدها في شتّى ميادين الحياة، في الزراعة والصناعة والتجارة، في العادات والتقاليد، في الحياة والزواج والموت، الخير والشر
أما الكتاب الثاني فكان عن زنوبيا ملكة تدمر والتي كانت في أوج قوتها وقدّمت إنموذجاً للمرأة القوية القادرة على مجابهة الأعداء وبناء صروح حضارية ما تزال قائمة حتى عصرنا هذا، وبالرغم من حبي لمادة التاريخ ضمن المنهاج المدرسي،فقد ولّد هذا الكتاب لدي حباً وشغفاً للتاريخ فاخترته في دراستي في الجامعة، مما أتاح لي الإطلاع على تاريخ الأمم والشعوب والحضارات القديمة واللاحقة والحضارة الإنسانية بمختلف جوانبها.
مما لا شك فيه أن للكتاب الأول أياً يكن عنوانه ومضمونه كبير الأثر في نفسية وعقلية قارئه أو مقتنيه، وسيفتح أمامه الدروب الموصدة، وينقله إلى مرافىء جديدة يبحر من خلاله في يمّ الثقافة والمعرفة والتي لا حدود لهما.
قولاً واحداً إن الكتاب الأول وخاصة في سن اليفاعة والشباب يشكل البوصلة التي تحدّد الاتجاهات والميول، للولوج إلى عالم الكتابة والتأليف والإبداع وهي الينابيع الثرّة التي لا يمكن أن تنضب أبداً.
العدد 1120 – 15-11-2022