الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:
لكل عمل إبداعي كواليسه التي يجب أن تظهر يوماً ما للقارىء، وفي عصر الشابكة وتدفق المعلومات، لم يبق سر مستتراً، من هنا كان الغوص والنبش في كواليس الأعمال الأدبية المشهورة ولاسيما تلك التي اجتازت حدود العالم، ومنها مدام بوفاري الراوئية الخالدة، فماذا في كواليسها؟
نعم لقد أصبح من اليسير أن يطلع محبو الأدب عامة ومحبو الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير خاصة على المخطوطات التي كتبها فلوبير بيده قبل أن تأخذ شكلها النهائي في رائعته «مدام بوفاري» إذ بات من السهل على مستخدمي البريد الإلكتروني والذي يطلق عليه الفرنسيون «انترنوت» أن يصلوا بأيسر الطرق إلى موقع إلكتروني يضم 4500 مخطوطة، هي عبارة عن مسودة الروائية الشهيرة مدام بوفاري، ولقد ساهم في هذا العمل الضخم مئة وثلاثون مختصاً في أدب فلوبير من اثنتي عشرة دولة تقريباً، وحول هذا العمل المميز يقول أستاذ الأدب الحديث في جامعة روان في فرنسا إيفان لوكليرك: إنه لم يكن باستطاعة أحد القيام بمفرده إنشاء ورشة ضخمة كهذه، فمن أجل أن يستطيع أي باحث فك رموز ورقة من أوراق فلوبير عليه أن يقضي وقتاً ما بين ثلاث إلى عشر ساعات كي يصل إلى هدفه.. هذا وقد انطلق المشروع في بدايته من مكتبه بلدية مدينة روان مسقط رأس الكاتب الكبير فلوبير حيث أودعت المخطوطات منذ عام 1914، وبعد جهود مضنية أصبح بإمكان المعجبين ببطلة الرواية إيما وبزوجها شارل وبعشاقها ليون وردولف أن يتعرفوا على كل تفاصيل هذا العمل الرائع الذي شغف القلوب على موقع www.bovary.fr إضافة إلى الرواية نفسها التي كتبت بخط يد فلوبير بعدة نماذج، كما نجد أيضاً مخططات وسيناريوهات ومسودات ونصوصاً نسخت بعناية قبل إرسالها إلى الناشر إضافة إلى عدة مقاطع كانت موضوع مراسلات فلوبير حول الرواية كما أنه بإمكاننا الإطلاع على الحجم الذي ظهرت فيه الرواية للمرة الأولى والتي شكلت حينها صفعة قاسية إلى الأخلاق العامة وإهانة للأعراف الدينية، كما حملت صاحبها للوقوف أمام النائب العام الذي وجه التهم القاسية إلى الأديب وأحاله إلى القضاء، لكن بعد مرافعات حامية استخدمت فيها أقسى العبارات تمت تبرئته لكنه نعت بأنه كاتب خلاعي وصاحب أدب ماجن.
العدد 1120 – 15-11-2022