الملحق الثقافي-غسان شمه:
على مدارج الطفولة، وفي المرحلة الابتدائية، يبدأ الكثير منا، أو البعض، التعرف على عالم الكتاب خارج المنهاج المدرسي، وربما تكون مجلات الأطفال وقصصهم فاتحة للمضي في هذا الدرب، وفي ظني أن الكثير من الأطفال، في تلك المرحلة، قد تعرفوا على قصص المغامرات وكتب الألغاز التي ما زال بعضها يدغدغ الذاكرة بأسماء من أبطالها..
وفيما بعد نبدأ الدخول إلى عوالم أخرى من الأدب، وقد تكون المصادفة ما يقودنا إلى هذا العمل أو ذاك..وهذا بالتحديد ما قادني ذات وقت للتعرف على رواية كبيرة في عدد صفحاتها «والفولاذ سقيناه أو كيف سقينا الفولاذ»، الأمر الذي أوقعني في التردد بداية لكني مضيت إلى قراءتها، وأنا أتخيل العالم القاسي لبطلها الشاب «بافل غورتشاغين» الذي بدأ المعاناة مبكراً فاندفع إلى العمل لمساعدة أسرته ضمن ظروف قاسية، ثم ما لبث أن انخرط في الحياة الاجتماعية والسياسية لمجتمع بدأت بواكير روح جديدة تدب في أركانه..
الكاتب الأوكراني نيكولاي استروفسكي قدم في هذا العمل رؤية واقعية شديدة الالتصاق بالحياة في بلاده وما تتعرض له الثورة الناشئة من خلال موقعه وإيمانه بالروح الإنسانية التي رأى أنها ستشكل درباً جديداً للعالم انطلاقاً من هذه البقعة، وذلك مع تفتح الوعي لدى بطله الشاب..وللمصادفة فقد مات الكاتب نفسه بعد عمر قصير «1904-1936»..
تعد الرواية من أعمال الواقعية الاشتراكية التي بشرت بمجموعة من القيم الجديدة وفي مقدمتها العمل الجماعي، والعقيدة والأخلاق التي تعبر عن هذا التيار الفكري والإنساني في صيرورته الخاصة، وقد كانت عملاً ملتزماً من أدب الواقعية الاشتراكية الذي أثار، كمفهوم ومصطلح، الكثير من الجدل فيما بعد بين نقاد الأدب في العالم..
رواية ربما لم تكن من عيون الأدب العالمي لكنها كانت في حينها تشكل ما يشبه الإيمان العميق بحلم لكثير من الناس في زمن الأحلام الكبيرة، وفي مناطق واسعة من العالم..
العدد 1120 – 15-11-2022