الملحق الثقافي- لينا ديوب:
لا أعرف إن كان (لغز البيضة المجوفة) الذي اشتريته وقرأته عندما كنت طفلة في الصف الخامس الابتدائي يعد كتاباً، لكن ما أعرفه أنني أحببته وشدني إلى قراءة سلسلة من الألغاز لنفس الكاتب وهو الصحفي المصري محمود سالم.
بعدها بسنتين وأنا في الصف السابع قرأت رواية البؤساء لفكتور هوجو، التي كانت في مكتبة إخوتي الأكبر مني، لتكن فاتحة لقراءة سلسلة من الروايات المشهورة حينها، فكانت رواية الأم لمكسيم غوركي هي التالية.
حين بدأت بقراءة الألغاز، لم أكن أدرك أنها ستكون الضوء الذي أخذني إلى عالم الكلمة التي تفتح الخيال وتحفز العقل على التفكير في كل ما حولنا، حتى في عمر مبكر، تلك الروايات التي قرأتها في مرات كثيرة خلسة لأنها كانت في أيام الدراسة فكانت أمي تخشى على دراستي وتطلب مني تأجيل قراءتها للعطلة، حتى لو كانت مترجمة ولكتاب أجانب فهي تؤثر في المشاعر وفي طريقة التفكير، كما تخلق حافزاً للكتابة.
إن القراءة مناخ كامل يفتح المخيلة على فضاءات رحبة وعلى عوالم متنوعة، ننتقل من الرواية إلى الشعر، فالقصة القصيرة والمسرح، والكتب الفلسفية، قراءة شعر المتنبي تشدنا لشعر امرئ القيس، وشعر محمود درويش وممدوح عدوان وبدر شاكر السياب وعادل محمود وغيرهم الكثيرون.
رواية الأم التي تركت فيّ أثراً كبيراً، قرأت بين سطورها المزيد من المعاني الإنسانية المهمة، ومنها تضحية الإنسان من أجل قضايا تتجاوزه وتخص الآخرين حوله، إنها تجسد قدرة السرد على التعبير عن مكنونات الذات الإنسانية، وعن المجتمع، والتاريخ، بقيت الرواية بذاكرتي حتى زرت سان بطرسبرغ سنة 1998، ولكثرة ما حدثت صديقتي الروسية عنها اصطحبتني إلى الشارع التي انطلقت منه شرارة الثورة.
الكتابة عن أول كتاب لا تكفي للحديث عن شغف القراءة وفوائدها، في مرحة لاحقة جاءت كتب نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي، لنتعلم منها الشجاعة في الكشف عما يعيشه المجتمع من أمراض، وكيف يحاصر النساء في زوايا لابد من العمل على تغييرها ليتغير المجتمع، نوال السعداوي نافذة مفتوحة على الجرأة والشجاعة بقول الحقيقة.
لا يمكن الحديث عن القراءة دون الحديث عن الترجمة، هنا يعني الحديث عن لغة ثرة غنية وفهم عميق لثقافة مختلفة، عندما قرأت (تقرير الى غريكو ) ترجمة ممدوح عدوان، ظننت أنه من كتبها، وبعد قراءتي (للمرأة المخصية) بترجمة عبدالله فاضل أبهرت بمعرفته الواسعة بالنسوية.
الكتاب الأول في مرات كثيرة يكون بداية طريق نمشيه، ربما يدفعنا إلى الكتابة، وربما لا، لكنه يخلق فينا شغف المعرفة والتعاطف الإنساني والتفاعل مع الحياة بطريقة مختلفة.
العدد 1120 – 15-11-2022