الملحق الثقافي- سهيلة إسماعيل:
لم يحلم الأديب بهاء طاهر بعد اليوم ليتحفنا بمثل مجموعته القصصية « بالأمس حلمت بك « ، ولن نراه يأتي متقمصاً شخصية الملك في « أنا الملك جئت»، ولن يذهب إلى الشلال ليأخذ قسطا من الراحة « ذهبت إلى الشلال» ، ولن نعرف ما سيحدث « شرق النخيل «، أو نرتوي مما قالته ضحى في « قالت ضحى» .. لكننا سنبقى نعيش مع بطل رواية : خالتي صفية والدير « قصة الحب العظيمة كلما رأينا إحدى حلقات المسلسل الذي يحمل الاسم ذاته، وسنتوق لنعرف أخبار « الحب في المنفى «، وربما ننتظر أو نمشي رويداً رويداً إلى واحة غروبنا « واحة الغروب» فنطوي آخر صفحات حياتنا كما فعل صاحب العناوين الجميلة السابقة الأديب المصري بهاء طاهر الذي غابت شمسه منذ عدة أيام عن عمر يناهز الـ 87 عاما.. وهكذا يرحل الكتّاب تاركين إرثاً حضارياً ومعرفياً يدونه التاريخ ليبقى رهن إشارة من يرغب أن يشبع نهمه للثقافة والمعرفة.
القراءة الحرّة
صرّح الراحل بهاء طاهر – ذات مرة – أنه تعرف على الأدب العالمي , وأهم الإصدارات باللغة العربية والأجنبية المترجمة في حصة « القراءة الحرة « حين كان طالباً في المراحل الدراسية الأولى .. ما ساعده على تشكيل واختزان زاد لغوي غني بدا واضحاً في أولى مجموعاته القصصية « الخطوبة « ، حيث نالت إعجاب الأديب الراحل يوسف إدريس فقدمه ككاتب له مستقبل باهر، معجباً باللغة المستخدمة في كتابة القصص الموجودة ضمن المجموعة .. فهي مفتاح أساسي للدخول إلى عالمه الخاص والمتفرد .. كما تبين أنَّ بهاء طاهر استطاع التسلل إلى سراديب القصة والسير فيها بتؤدة ونجاح..واتسمت أعماله بالواقعية و الشاعرية الرومانسية، حيث يسافر القارئ مع شخصيات أعمال الكاتب القصصية والروائية أنّى ذهبت، وقد يتخيلها تجلس معه فيتبنى مواقفها ويدافع عنها، ولا غرابة في الأمر وهو المعروف بتوازنه وصدقه وتجسيده للبيئة الاجتماعية المصرية الغنية بأحداثها ومقوماتها المحفِّزة لخيال رجل مبدع أمسك خيوط الإبداع حاك منها أعمالاً مميزة بالوعي والالتزام حتى قيل عنه إنه مؤسس تيار الوعي في الرواية المصرية.
مُنع الكاتب بهاء طاهر- الحائز على شهادة جامعية من كلية الآداب / قسم التاريخ/ من جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات العليا في الإعلام شعبة إذاعة وتلفزيون – من الكتابة في أيام محمد أنور السادات فقدم استقالته من مجلس اتحاد الكتاب، وأحدثت استقالته موجة سخط عارمة في الوسط الأدبي والثقافي المصريين، ثم غادر مصر وتنقل بين عدة دول أفريقية وآسيوية، واستقر به الحال في مدينة جنيف بسويسرا عام 1981، وعمل هناك في مجال الترجمة حتى عام 1995 كموظف في الأمم المتحدة واستفاد من عمله فترجم رواية باولو كويلو الشهيرة : الخيميائي» ونشرها بعنوان « ساحر الصحراء» وقال عنه بعض النقاد إنه يكتب بنكهة سويسرية لأن معظم أعماله كتبها في فترة وجوده في سويسرا، وعاد إلى مصر في نهاية التسعينيات.. وقد قال بهاء طاهر عن تلك المرحلة وخطورتها :» نجح السادات في تشتيت مثقفي النهضة والتطوير في منافي الأرض وإسكات وإضعاف من تبقى منهم في مصر وجلب بدلاً منهم مجموعة من الوعاظ المهاجرين منذ العهد الناصري إلى دول الخليج ..»
تنوع الأعمال والجوائز
تنوعت أعمال الكاتب بهاء طاهر ما يدل على ثقافته العالية وكفاءته العالية فكتب السيناريو واستفاد من عمله في الهيئة العامة للاستعلامات كمترجم، ثم مخرجاً ومذيعاً في البرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية، وظهرت أولى أعماله الأدبية في سبعينيات القرن الماضي فكتب عدة مجموعات قصصية وروايات، بالإضافة إلى الدراسات الفكرية والنقدية ، مثل « في مديح الرواية « و» أبناء رفاعة .. الثقافة والحرية « ، وقد نال خلال مسيرة حياته جائزة الدولة التقديرية عام 1998، والجائزة العالمية للرواية العربية عام 2008، وجائزة مبارك عام 2009 وكرمته مصر بإقامة قصر ثقافة يحمل اسمه في الأقصر.
العدد 1120 – 15-11-2022