ثورة أون لاين- خالد الأشهب: أحيانا, ورغم كل ما ينطوي عليه المشهد السوري الراهن من الألم والحرقة, ورغم كل ما يفترضه ويستدعيه من الجدية والموضوعية وتقطيب الحاجبين, لا يجد المرء سوى السخرية من بعض تفاصيل المشهد وتداعياته, لا ليتحول به إلى مشهد هزلي
هو في حقيقته على النقيض من الهزل, بل ليقول إن العقل البشري بعامته, مهما انحط أو أظلم أو تعصب أو انحاز, يعجز أحيانا عن فهم ذلك الرأي الآخر أو تقبله, فيضرب بعرض الحائط كل مقولات الديمقراطية والحوار وكل حذلقات أدعياء الثقافة والتنوير, ويذهب إلى السخرية والتهكم كي لا يذهب إلى القمع والإلغاء!
وإذا كانت المستحيلات هي في إثبات المسلمات, أفليس الكثير من بديهيات المشاهد المرافقة أو المواكبة للحدث السوري, ودون الحاجة إلى أي تفسير أو تأويل, ليست سوى هراءات تثير سخرية لا نقاشاً ولا حواراً ؟
من هذه الهراءات مثلاً حالات الارتداد والصحوة والتوبة والغيرية والنصب اللافتة عند بعض رموز المعارضة السورية في الخارج, وربما أكثرهم, فمن كان منهم لصاً موصوفاً يأكل مال الدولة والناس معا كالمنشار, بات يتحدث عن الفساد وعلى محياه قدسية القديس وابتسامة الزاهد, ومن كان شيوعياً حتى نقي العظام فيه, انقلب ليبرالياً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كما لو أن حبل سرته كان موصولاً بحبل السرة السوفييتي, أما اليوم فإنه يؤم المؤمنين ولا يضيع فرضاً من فروض الصوم والصلاة.. أيام الجمعة فقط وفي حضور العدسات والناسفات, ومن كان منهم ركناً من أركان مشاريع المجتمع المدني العلماني التعددي.. يسهب اليوم قولاً وكتابة في شروحاته حول المشروع «التنويري» للتيارات الإخوانية والسلفية, وقد يميز بدقة وحذق الخبير المزمن بين الجهادي منها وبين التكفيري.. لقد اكتشف صلاحيتهم للاستخدام البشري المعاصر بعد أكثر من ألف عام على انقضائها!
ومن الهراءات أيضاً أن يأتيك تبرير رسمي سعودي لاعتقال المحامي المصري الجنزوري والحكم عليه بالجلد.. أن الجنزوري تعرض لـ«الذات» الملكية السعودية!! وسواء حدث ذلك فعلاً أو لم يحدث, فما هي هذه «الذات» التي كفر الجنزوري وتزندق وأشرك وعصى حين تعرض لها بالنقد, وما ماهية هذه «الذات» وما مكوناتها ومن أي سماء حلت على البشر؟ بل ومن أي إله قدت واقتطعت واختزلت وتركزت فيها السموات والعوالم والمصائر كي يكون مهولاً وكارثياً ولا يغتفر أن ينتقدها الجنزوري أو غيره.. إذا كان من بديهيات هذه «الذات» أنها لا تجيد حتى قراءة العربية ومخارج الحروف فيها.. ولا تهتم للقاء مع حسنين هيكل مثلاً.. إلا لسؤاله كيف يتدبر «هيكل» أمره مع النساء وهو في الثمانين, كما يقول هيكل نفسه, وهي الـ «ذات» ذاتها التي تتكرم على بشر سورية اليوم وترسل لهم بركات الرصاص والشحنات الناسفة؟
لكن معتوهي «الثورة والثوار» في ليبيا وتونس لديهم هراءة الهراءات, فالمعتوه الليبي يرى أن أول أولويات الديمقراطية والحكم الجديد الرشيد في بلاده هو قتل أكبر عدد من السوريين في سورية, بناسفات ومفخخات من يرسلهم إليها من «مجاهديه», ثم لا يلبث أن يتسلمهم جثامين, فيما المعتوه التونسي يقبض ملياراً قطرياً «ربا» لقاء كسره حدة ذكاء الشيخ حمد بخفض نسبة نجاح الموفد أنان في سورية إلى ما دون الثلاثة في المئة, فهو الطبيب الثائر العلماني الديمقراطي الذي لا يسحب يده ولو تعففاً من تحت العدسات حين يقبلها ثائر مثله وبنهم.
زمن السخرية أم سخرية الأزمان؟